كابوتشينو…

13 أكتوبر 2020 - 10:42 م

حفيظ حليوات

حدثني عمي البشير..عن مكان منعزل بغابة بنسليمان..هناك حيث لا يعلو صوت على صوت قرع الكؤوس سوى بعض القهقهات هنا وهناك..وأحاديث عن مزامير داوود..وأساطير عن ثوراة موسى..وصوت أجراس كنائس عيسى..وقصص مختلفة لأناس ألفوا هذا المكان..

هي كابوتشينو…يقول با البشير…هنا يلتقي الصالح بالطالح…رجل السلطة والمنتخب…رجال المال والأعمال…والموظف البئيس…ونادلة توزع ابتسامات مصطنعة تفنن الزمان في رسمها على ثغرها لعلها تحصل على بقشيش تواجه به الدخول المدرسي وواجب كراء الغرفة البئيسة التي تتقاسمها مع والدتها وإبنها الذي جاء الى الدنيا من علاقة غير شرعية…

يقهقه المنتخب وهو يتلمس أجزاء من جسم النادلة…ويقول بصوت عال…”سأبرمج نقطة فريدة في الدورة القادمة لإنجاز مجموعة من السقايات العمومية…كما سأعمل على إعادة هيكلة 15 كانون من أجل الاستفادة من الربط بالكهرباء…”ثم يسأل النادلة : “فين ساكنة انت بعدا..؟”..

وفي طاولة منعزلة عن أعين رواد المكان…يتبجح “لاجودان” أمام نفس النادلة بنجماته المتلئلئة فوق كتفيه..متلمسا هو الآخر أجزاء أخرى من جسد النادلة..ويقول بصوت أقرب للهمس..”سنقوم بعمليات تمشيطة لكل جنبات الغابة للبحث عن “ريافة”..ويوشوش في أذنها “لخصاتك شي حاجة هانة موجود”..

فيما يتفاخر أصحاب المال والأعمال فيما بينهم عن مشاريعهم الضخمة التي ستنمي المدينة رغم الجائحة..وعن علاقاتهم النافذة بصناع القرار في الاقليم..وهم يتلمسون هم الآخرين بشبقية بورجوازية مقيتة أجزاء حساسة من جسم النادلة..فتبتسم النادلة من جديد..وتنتظر كرمهم وجودهم مقابل حركاتهم الرخيصة..

أما موظفنا البائس وهو الذي اختار الانزواء في أرخص الطاولات وأقربها الى دورة المياه..فما لبث يضرب الأخماس في الأسداس عن طريقة توزيع راتبه الذي انتهى قبل نهاية الشهر..وهو أيضا يتلمس أجزاء من جسد النادلة..ويسألها “بشحال البيرة عندكم..؟؟”

يضحك با البشير..ويهمس في أذني..أرأيت..هذا واقع مدينتنا البائسة..وهو صورة مصغرة لكل حال إقليم ومدينة بوطننا الحبيب..

تنهي النادلة عملها الروتيني..وتتجه نحو الكونطوار لتجهيز قهوتها المعتادة “كابوتشينو”..تتأبط ذراع حارس أمن المكان..الذي هو أيضا يتلمس أجزاء حساسة من جسمها هو يوصلها الى الغرفة التي تتقاسمها مع والدتها وابنها..تبتسم بهدوء..وتقول في همس..شكرا..حتى لغدا ان شاء الله….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *