عفوا المرأة انسان…!!!

21 يناير 2018 - 3:37 م

مارية الشرقاوي
الفكر الذكوري هو ذاك الفكر الذي يعتبر الذكورة معيارا للتمييز بين الرفيع و الوضيع ، القوي و الضعيف، المقدس و المدنس ، مما جعل حامليه يعتبرون المرأة كونها أنثى وليست ذكرا وضيعة و ضعيفة ومدنسة ، وقد استفحل مند الأزل وليس وليد اللحظة بل امتد عبر العصور و الأزمنة ، وهو ما يفسر الجدل القائم على امتداد التاريخ حول المرأة سواء داخل المجتمعات أو في التشريعات ، فاختلفوا في تعاملهم معها ، هضموا حقوقها، اضطهدوها و اعتبروها بضاعة باعوا فيها و اشتروا في ضرب سافر لإنسانيتها و كرامتها ،بل وصل الأمر إلى التشكيك في كونها إنسان ولها روح. الإغريقيون مثلا أهانوا المرأة ،احتقروها وجعلوها بضاعة تباع و تشترى بل وصل الأمر بهم إلى اعتبارها رجسا من عمل الشيطان فحرموها من الإرث وحق التصرف في الأموال . أما الرومان فأذاقوها أشد أنواع التعذيب تحت شعار ” ليس للمرأة روح” كما قالوا عنها “إن قيدها لا ينزع و نيرها لا يخلع” فقيدوها بالأعمدة وسكبوا عليها الزيت الحار وربطوها بذيول الخيول ويجعلون هاته الأخيرة تركض بأقصى سرعة إلى أن تفيض روحها. وقال عنها الهنود ” ليس الصبر المقدر و الريح و الموت و الجحيم والسم و الأفاعي و النار أسوأ من المرأة ” بل شك الفرنسيون في كونها إنسان و لها روح فعقدوا مؤتمرا سنة 586م موضوعه “هل المرأة إنسان ؟ وهل لها روح؟ ” أما الصينيون فشبهوها بالمياه المؤلمة التي تغسل السعادة و المال وجعلوها ثروة لأهل زوجها بعد وفاته ،كما يحق له دفنها وهي حية .
ومع تقدم الشعوب بدأت تتغير تلك النظرة الدونية للمرأة حيث منحتها بعض الحضارات و التشريعات العديد من الحقوق. ففي ظل الحضارة الفرعونية حضيت المرأة بمكانة متميزة لم تكن لدى بنات جلدتها في الحضارات السابقة فكان لها حق اختيار الزوج و لها سلطة في إدارة شؤون بيتها و حقلها بل والعمل والمشاركة في إعالة بيتها ، أما داخل القصر الفرعوني شاركت في الحكم وربت من سيخلف العرش . كما نصت بعض التشريعات على العديد من الحقوق للمرأة مثل :
«قانون أورنامو وهو من أولى التشريعات التي ظهرت في بلاد الرافدين» شرع ضد الاغتصاب وحق الزوجة بالوراثة من زوجها.
«قانون حمورابي» خصص 92 نصا للمرأة من أصل 282 فنص على حق المرأة في البيع و التجارة و الوراثة و التوريث .
«شريعة بيت عشتار» والتي أتت بعد شريعة أورنامو بسبعين سنة حافظت على حقوق المرأة المريضة
و العاجزة و حقوق البنات الغير متزوجات .
من خلال هاته التغيرات التي حدثت على مستوى مكانة المرأة عند مختلف الشعوب و في العديد من التشريعات نستنتج أن الإشكالية هي إشكالية فكر و ليست إشكالية تكوين بيولوجي أو كفاءة أو قدرة أو ذكاء ، ولعل التاريخ يعطينا دليلا قويا كون المرأة لا تختلف عن الرجل قدرة و كفاءة و ذكاء ، فعبر التاريخ وجدت ملكات عديدات حكمن أعرق الحضارات و داع صيتهن مشارق الأرض و مغاربها أذكر على سبيل المثال لا الحصر:
الملكة زنوبيا حكمت تدمر في القرن الثالث ميلادي ، تولت الملك في الرابعة عشر من عمرها ،اشتهرت بالشجاعة و الذكاء في تدبير شؤون مملكتها ، حاربت جانب جنودها و امتد نفوذها على جزء كبير من الشرق مما جعل تدمر تعرف ازدهارا كبيرا في عهدها.
حتشبسوت اعتبرت أذكى الملكات اللواتي حكمن مصر استمر حكمها 20 سنة ، عرفت الحقبة التي حكمت فيها بالسلم و الأمن، اهتمت بالتجارة وبذكائها استطاعت التغلب على الاحتجاجات الشعبية الرافضة لحكم امرأة .
الملكة بلقيس ذكرها المولى عز وجل في القرآن و منحها مكانة عالية ، هي ملكة حضارة سبأ باليمن القديم اشتهرت بفطنتها ورزانتها ورجاحة عقلها وحسن تدبيرها لمملكتها ، خلصت شعبها من بطش ملوك أرادوا الشر لهم و لمملكتهم .
سميراميس الحمامة الأشورية وسميراميس تعني سيدة البلاط ، حكمت الإمبراطورية الآشورية رفقة زوجها لما يناهز 42 سنة وبعد وفاته استمرت في الحكم خمس سنوات ،اشتهرت بحدة الذكاء وخلال فترة حكمها أشرفت على بناء مدينة بابل .
إذن من خلال ما حققته المرأة في مختلف العصور والدور الكبير الذي لعبته في إنشاء العديد من الحضارات أقول :
عفوا ، المرأة أنثى إنسان و الرجل ذكر إنسان ولا فرق بينهما من حيث العقل و الذكاء و الفطنة والقدرة على التدبير و التسيير، ولهذا فمن الضروري القيام بإصلاح فكري ثقافي لوضع قطيعة مع الفكر الذكوري الذي يحول دون تمكين المرأة من جميع حقوقها ، و ترك الأفكار البالية المقزمة لقدراتها ،
فالمرأة نصف المجتمع إن لم نقل ثلاث أرباعه ، و مساهمتها في تنميته والنهوض به أمر ضروري ، فالمجتمع بدون امرأة مساهمة عاملة فيه هو مجتمع مشلول و معاق .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *