الأمازيغية مسألة قطاعية وليست تنظيمية.

4 أكتوبر 2017 - 2:32 م

إبراهيم الوتسفالي

يترقب المتتبعون للشأن الأمازيغي ببلادنا أن يشرع البرلمان المغربي في فتح النقاش حول مشروع القانونان التنظيميان الأمازيغيان، اللذان مر على صدورهما، أزيد من سنة، وأكثر من خمس سنوات على دسترة الأمازيغية، لغة رسمية في الدستور.

الفرقاء السياسيون الذين يجذبهم هذا الملف، لازالوا ينتظرون إشارات من الحكومة، لعرض هذه القوانين على طاولة النقاش، ليريحوا صدورهم من عبء هذا الملف الذي عمر طويلا دون أن يجد سبيلا إلى الحل، رغم كونه يشكل أولوية لدى بعضهم.

ورغم كون تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ومأسستها على صعيد مؤسسات الدولة والمرافق العمومية لا يحتاج إلى كثير من التفكير العميق، إلا أن الفرقاء السياسيون الذين يتجاذبون هذا الملف يبدون كثيرا من التخوف، وكأن الأمازيغية أسد إن ظل طليقا سيأتي على الأخضر واليابس.

ولقد برهنت تجارب الخبراء الذين لا تستهويهم الخلفيات السياسية لهذا الملف على أن تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية لا يحتاج إلى الخوص أكثر في متاهات القوانين التنظيمية بقدر ما يحتاج إلى خطط قطاعية، لو تم الشروع في إنجاز بعضها، لما انسجم تفعيل الأمازيغية مع التوجهات السياسية والاستراتيجية التي دشنها المغرب للارتقاء بالأمازيغية باعتبارها رصيد مشترك لجميع المغاربة بدون استثناء.

وبالرجوع إلى التراكم الكمي والمكاسب المسبقة التي تحققت للأمازيغية، فإنها لا تحتاج بعد اليوم إلى أي جدل سياسي، ولا لأي قانون تنظيمي، بل تحتاج إلى نفس سياسي، يوجه مسلسل الادماج، الذي قطع أشواطا زمنية، وإذا به يتوقف في مفترق الطريق.

إن مسلسل الادماج الذي قطع أشواطا في مجال التعليم، يحتاج اليوم إلى إعادة تقييم للشراكة التي كانت تربط الوزارة وشريكيها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لتحديد أسباب اختلال هذه الاتفاقية التي تعتبر نموذجا يحتدى به، بالنظر إلى القرارات والقوانين التنظيمية التي تؤطرها، وما أعقبها من مذكرات توجيهية.

إن الاتفاقية المبرمة لتفعيل إدماج الأمازيغية في المنظومة التربوية، حددت سقفا زمنيا لتعميميها على صعيد الأسلاك التعليمية في أفق سنة 2009، وكان سيحلفها النجاح، لو وفرت لها ميزانيات معقولة.

ففي الوقت الذي كانت الاتفاقية تستهدف تفعيل الادماج، وعلى مراحل، وبنسب مئوية معقولة، تبدأ بنسب متصاعدة تبدأ بخمس بالمائة، و 10 بالمائة، تم 20 بالمائة، وصولا إلى نسبة 100 بالمائة في أفق 2009 حيت كان منتظرا أن يتحقق الادماج التام لها في جميع الاسلاك التعليمية، وإذا بالخلال يسري على الادماج، على المستويين الأفقي والعمودي.

ومنذ السنة 2009 بدأت تصلنا أخبار غير سارة، وبدأ مسلسل التراجع عن هذه الخطة في عدد من المؤسسات التعليمية إلى أن توقفت نسبة الادماج في نسبة 2 بالمائة. وبدأت وسائل الاعلام تتوصل بعدد من التجاوزات، كحدف مادة تدريس الأمازيغية، وتكليف أساتذة بتدريس غيرها… وبذلك، دشنت مرحلة من الصابوتاج استمرت لسنوات. وصار الجميع يبحث عن مخرجات إلى وجدوا ضالتهم في القوانين التنظيمية الأمازيغية، وعاد سؤال تدريس الأمازيغية إلى الواجهة، وكأن العملية يراد بها أن تبدأ من الصفر، كأنها لم تكن بالأمس. بل ما زاد الأمور تعقيدا، تلك المدد التي حددها مشروع القانون التنظيمي لتفعيل الادماج في آفق 30 سنة بدل عشر سنوات التي حددتها الاتفاقية المبرمة منذ سنة 2003.

إن نجاح تفعيل إدماج الأمازيغية في مجال التعليم، يحتاج إلى إعادة تفعيل الاتفاقية المبرمة بين الوزارة والمعهد، لأن أي قفز على هذه الاتفاقية يشكل إجهازا على كل الرصيد البداغوجي الذي كلف ملايير السنتيمات، وكما أن توقف عملية التدريس، بهتان ينبغي التصدي له بكل الوسائل.

آجل، أن مصير هذه الاتفاقية، لا ينبغي فصله عن مصير العشرات من الاتفاقيات التي وقعها المعهد مع قطاعات حكومية، والتي لم تفعل واحدة منها، في الوقت الذي نراهن فيه على أن تفعيل الادماج ينبغي أن يكون قطاعيا، وحسب الأولويات. وفي الوقت الذي يسعى الساسة إلى النبش في مستجدات مشروع القوانين التنظيمية الأمازيغية، لتحديد سقف ادماج الأمازيغية، نراهم يزيغون عن تلك الاتفاقيات الواعدة، والتي تشكل خارطة طريق، فور التفكير في أي مشروع للادماج القطاعي للأمازيغية.

إن أولى نظرة في مشروع القوانين التنظيمية الأمازيغية، يوضح بجلاء أن الأمازيغية لا تحتاج إلى كل هذا التفكير العميق الذي ظل يربط إدماج الأمازيغية، بهوس الحفاظ على اللحمة الوطنية، يل أن هذه المسألة لم يعد لها وزن في ميزان الخطاب الأمازيغي الذي قطع منذ سنوات مع هذه الواساوس التي تملى إلى بعض النفوس.

فإدماج الأمازيغية في لوحات التشوير أو في واجهات مؤسسات الدولة أو أوراقها الادارية أو في مرافقها، لا يحتاج لا إلى ميزانيات ولا إلى مدد زمنية بل يحتاج إلى تفعيل قرارات شجاعة لتحقيق مثل هذه المكاسب ذات الصلة بتدبير مختلف القطاعات.

إن أي نقاش عمومي في مشروع القوانين التنظيمية الأمازيغية، لا ينبغي أن يشغلنا على تحقيق كثير من الأهداف التي قطعنا فيها أشواطا خلال السنوات الماضية، خاصة في المجالات ذات الأولوية، كالإعلام والتعليم، لأن هذه القوانين مهما عالى النقاش حولها، ليست كتابا مقدسا، يأتيه الباطل من يديه وخلفه، بل المسألة ينبغي أن ينظر إليها على أنها مجموعة التدابير القطاعية، وفي هذا فليتنافس المتنافسون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *