المحاكمة العادلة والتزامات المغرب في ميدان حقوق الانسان

10 مارس 2016 - 10:51 م

ذ رشيد الزاوية
بادئ ذي بدء ونحن أمام موضوع شائك يطرح نفسه بإلحاح ويوميا على كافة الواجهات (السياسية، الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية) يمكن القول بأن الانسانية راكمت تجربة ليست باليسيرة في اتجاه اقرار منظومة حقوق الإنسان والقضاء على جميع الأشكال الحاطة بكرامته كون هذا الأخير(الإنسان) هو المحور الأساس لهذه المنظومة بشكل عام والحديث على المحاكمة العادلة هو حديث عن الديمقراطية وسيادة القانون ففي الدول التي تحترم مواطنيها يقل هامش الخطأ والعكس يحصل حينما تزاد هوة الخطأ .
صحيح انه مهما حاولنا الإحاطة بكافة الجوانب الموضوعية و الاجرائية التي تحيط بهذا الموضوع لن يتأتى لنا ذلك كونه شائك ولم تجف أقلام الباحثين والممارسين والمتعطشين لمبادئ المحاكمة العادلة بل أكثر من ذلك سيتبادر إلى دهن القارئ أنه موضوع دكتوراه في الحقوق أو موضوع مؤتمر سيستمر لأسابيع من النقاش والتباحث، ورغم ذلك سنحاول الإحاطة بأهم الجوانب المطروحة.
ومن خلال تجربتنا البسيطة ارتأينا ان نكتب في هذا الموضوع لأهميته ، ولكونه هو محور فلسفة حقوق الإنسان بشكل عام ، مستحضرين السياقات التاريخية، والمبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة من خلال المواثيق الدولية لحقوق الإنسان و مدى التزام الدولة المغربية أمام المنتظم الدولي في إعمالها وتفعيل الاتفاقيات ذات الصلة والتي صادق عليها المغرب.
لقد ظل مطلب استقلال القضاء والحق في المحاكمة العادلة قائما اذ لم تمر محاكمة من المحاكمات الكبرى التي يشهدها المغرب دون إثارة عدم توفير شروط المحاكمة العادلــــة ذلك ان عيوب الكثير من المحاكمـــــات التي يحرص المحامون على طرحها وفي بعــض الأحيان تضطر هيأة الدفاع إلى الانسحاب احتجاجا على عدم احتـــرام معايير المحـــاكمة العادلة، وفي كثير من المناسبات يكون هذا الاحتجاج مقبولا ومفهوما.
المحاكمة العادلة، كمفهوم وكقواعد وكممارسة، لا تخضع لمنطق « الخصــوصيـة » ولا ينبغي أن تسير على هذا النحو وإلا سقطت في المحظـــــور. وبرأي فقهاء القــانـــون إن «المحاكمة العادلة تمثل حلقة الارتباط بين الدولة والقانون، وهذا الارتباط هو الممارســـة السليمة للقانون» والممارسة السليمة تقتضي في البداية وفي النهاية إعمال المواثيق الدولية بملائمة القوانين الوطنية معها.
تنص المادة – 14- من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسيــة صراحــــة على الحقوق الأساسية للمتهم وعلى شروط الحق في المحاكمة العادلة.
و أن «الناس جميعا سواء أمام القضاء ومن حق كل فرد لدى الفصل في أية تهمة جزائيــة توجه إليه أو في حقوقه والتزامــاتــه في أية دعــــوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظـــر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون».
ومبدأ العلنية ليس دائما مكفولا إذ أن نفس الفصل يمنع وسائل الإعلام من متابعة محاكمات معينة، في هذا الصدد تقول نفس المــــادة « يجوز منع الصحافة والجمهور من حضــــور المحاكمة كلها أو بعضها لدواعي الآداب العامة أو النظام العام أو الأمن القومي في مجتمع ديمقراطي، أو لمقتضيات حرمة الحياة الخاصة لأطراف الدعوى، أو في أدنى الحدود التي تراها المحكمة ضرورية حين يكون من شأن العلنية في بعض الظـــروف الاستثنائيـــة أن تخل بمصلحة العدالة، إلا أن أي حكم في قضية جنــائيــــة أو دعوى مدنية يجب أن يصدر بصورة علنية، إلا إذا كان الأمر يتصل بأحداث تقتضي مصلحتهم خـــلاف ذلك أو كـــانت الدعوى تتناول خلافات بين زوجين أو تتعلق بالوصاية على أطفال ».
إن أركان المحاكمــة العادلة ترتبط بجملة من الشروط، منها ما يتعلق باستقلالية القضـــاء وبسير أطوار المحاكمة، ومنها ما يقترن بظروف الدفاع. وأولت بنود العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أهمية لمسألة الدفاع. لقد أكدت على «أن يعطى للشخص من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللاتصال بمحام يختاره بنفسه، وأن يخطر بحقه في وجود من يدافع عنه إذا لم يكن له من يدافع عنه…».
والإعداد للدفاع يقتضي توفر الضمانات التي تسمح للمحامي بان يمارس دوره في الدفــاع عن موكله وفق ظروف قانونية مقبولة. وتذهب تفسيرات فقهاء القانون أن تعيين المحامــي لا ينبغي أن يقتصر على الحضور الشكلي، وأن أي عرقلة لمهمته تحول دون المســاهمـــة في تحقيق المحاكمة العادلة.
ومن مقتضيات المحاكمة العادلة، وفق المواثيق الدولية، حق كل متهم بارتكاب جريمة أن يعتبر بريئا إلى أن يثبت عليه الجرم قــانونــا، وحقه بأن يتمتع أثنــاء النظــر في قضيتـــه بضمانات منها إعلامه سريعا وبالتفصيــل، وبلغة يفهمها، بطبيعة التهمــة الموجهـــة إليـه وأسبابها، وأن يحاكم دون تأخير لا مبرر له، وأن يناقش شهود الاتهام، بنفسه أو من قبـــل غيره، وأن يحصل على الموافقة على استدعاء شهود النفي بذات الشروط المطبقة في حالة شهود الاتهام،و أن لا يكره على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بذنب.
وإذا كانت إمكانية الخطـــأ واردة في العمــــل القضائــــي، فإن المحاكمة العادلة تقر تمتيع الشخص الذي أنزل به عقاب نتيجة ذلك بتعويض وفقا للقانون.
ميدانيا، ينتقد المحامون خلال مرافعاتهم أو على هامشها، سيما خلال المحاكمات الكبرى، عدم احترام حصانة الدفاع وعدم الاستجابة لملتمسات من شأنها تعزيز المحاكمة العادلة. ومن بين المشاكل التي تطرح في هذا المضمار ما يتعلق بالإثبات. ذلك أن الاتجاه السائد لدى قضاة المحاكم الابتدائية هو تعليل أحكام الإدانة بناء على التصريحـــات المدونــة في محاضر الشرطة القضائية . ومعلوم أن القانون المغربي يعتبر المحاضر وسيلة إثبــــات أساسية في مواجهة المتهــم ولا يوثق بمضمونها إلا إذا ما ثبت العكـــس، وهو ما يحد من حقوق المتهم.
ويربط المنتقدون إشكالية المحاكمة العادلة في المغرب بمسألة استقلالية القضاء، الذي ما زال خاضعا لعدة تأثيرات. كما أن ممارسات وسلوك مختلف الفاعلين في حقل القضاء له دور في بلورة مشروع استقلال السلطة القضائيــة كما هي منصوص عليها في دستــــور 2011 واحترام مقتضيات المحاكمة العادلة.
إن تكريس العدالة الجنائية هو تكريس لحقوق الإنسان التي لا ينازع المغرب فيها رسميا. يمكن القول بأن المغرب بذل مجهودا على مستوى تحديث قطــاع العدالة، وعلى صعيـــد الانفتاح على العهود والمواثيق الدولية ذات صلة بحقوق الإنسان. لكن بالموازاة مع أنجز، وأخذا بعين الاعتبار لانتظارات المجتمع وفعالياته الحقوقية، تظل العدالة في بلدنا مطبوعة باختلالات تتطلب إصلاحـــات عميقــة مما يبقى معه الأداء ضعيفــــا ومن أهــداف هـــذه الإصلاحات، بل وفي صلبها، ينبغي أن تكون قضية تمتع الأشخاص بحقوقهم وحريــاتهــم حاضرة بقوة..
ونرى من جانبنا ان اعمال الاتفاقيات الدولية لحقوق الانســــان كفيل بضمان المحاكمة العادلة لكن تواجهه بعض الصعوبات من بينها ان مجموعة من رجال القضاء لا يسايرون هذه المواثيق الملزمة مجرد مصادقة الدولة المغربية عليها أو غير حاصلين على التكويـن اللازم بخصوص القانــون الدولي لحقـــوق الانسـان ومستجـداتـه ، ولهذا فان المحاميـات والمحاميـن بادماجهـم المعاييـر الدوليـة في مرافعاتهم ومذكراتهـــــم يعملـون على ملأ هذا الفـراغ إن كان موجودا و في أغلب الأحيان موجود.
– إن ضرورة إعمال الاتفاقيـات الدولية في القضاء الوطني تتجلى في ما يلي :
1- الكيفية التي يرتب فيها القاضي للاتفاقيات أثرا في نزاع معروض عليه حينما يحتج أحـد المتنازعين بأحكام الاتفاقيـة .
2- إمكانية احتجاج الدفاع بحكم أو أكثر من أحكام اتفاقيـة من اتفاقيات حقوق الإنسان أمام القضاء الوطني .
3- إمكانية أن يطبـق القاضي الاتفاقيـة على نازلة ما دون أن يتمسك بها أي شخص وذلك من تلقـاء نفسـه .
ومن الاتفاقيـات الأساسية التي يتعيـن إعمالهـا والتي صادق عليها المغرب التي يتعين إعمالها للمساهمة في تحديث المنظومـة القانونيـة :
1- العهدان الدوليات الخاصان بحقوق الانسان .
2- اتفاقيـة مناهضـة التعذيب وغيره من ضروب المعاملـة او العقوبـة القاسيـة أو اللانسانية أو المهنيـة .
3- اتفاقيـة الأمم المتحـدة الخاصـة بحقـوق الطفـل .
4- اتفاقيـة القضاء على جميـع أشكـال التمييـز ضـد المـرأة المعروفة اختصارا بسيداو.
5- اتفاقيـة القضاء على كافـة أشكال التمييـز العنصـري .
وفي هذا الإطار فان دور المحامي في تطوير القوانين يتطلب المساهمة في مناقشة مشاريع القوانين المطروحة سواء فيما يخص المسطـرة الجنـائية أو المسطرة المدنيـة او القانون المنظم للمهنة حتى تتم ملاءمتها بشكـل أكبر مع الاتفاقيـات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وتكريس المزيـد من ضمانات المحاكمة العادلة وبعض الحقـوق التي أقـرها الدستـور الجـديد طبعا مع مراعاة ما هو إلزامي في الاتفاقيـات الدولية وينبغي العمــل على تطبيــق ما هو تدريجــي ينبغي ملاءمته حســـب المراحـــل المتطلبــــة والإمكانيات المتوفرة مع الاستعانة بالتجـــارب المقارنة في هذا المجال .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *