تمنت الف مرة لوماتت ( قصة واقعية) الجزء الثاني

12 سبتمبر 2020 - 12:04 م

حكيم سعودي

يحاول ( ر ش) متعمدا قلب حياة (س ح) لجحيم حتى تمل من العيش معه و تغادر المنزل دون التفكير في العودة مرة اخرى، لقد ضاقت المرارة، و عاشت الهوان، بفعل خطيئة مع شاب متهور ، اوهمها بإنجاز عقد زواج لثبوت البنوة، و دفعها لإخبار امها بذلك، لكن بعد مرور شهرين من التماطل و التسويف و المراوغة و التهرب، تيقنت ان ما وعدها به وهم و كذب و افتراء ، و ان الوقت يمر و الجنين يكبر، و البطن ينتفخ، و صعوبة الحمل تزداد مع تدهور الحالة المادية ، و عدم وجود مقويات او اكل مناسب في اغلب الاحيان. كل هذه العوامل جعلتها تكره نفسها ،و في اليوم الذي عرفته، و بعد تفكيرعميق و وساوس شيطانية لا حد لها ، و بكاء لا يجدي نفعا ،فقدت السيطرة على نفسها ، لأنها لم تستطع تحمل كذب ( ر ش)، فحملت حقيبتها الثقيلة، و غادرت المنزل في الساعة السابعة مساء صوب البلايا بشاطئ العيون عند شخص كانت لها سابق معرفة به لأجل القيام بما وعدها به في حالة تخلي ( ر ش ) على وعده.و قضت تلك الليلة بسكن البحري الذي انصت اليها ،و خفف عنها جزءا من معاناتها، دون ان يمسسها بسوء محترما كيانها حسب قولها. ولما عاد رضوان الى المنزل سكرانا كعادته مزهوا كديك الحي، تفاجا بخروج ( س ح) من المنزل، فاتصل بها هاتفيا عدة مرات دون رد ، وكان هاتفها يرن كل لحظة طيلة الليل من طرف ( رش) لم ترد عليه تجنبا للاصطدام معه. و في الغد عادت الى المنزل بعد فشل محاولتها في اقناع البحري بالزواج منها مؤقتا ، و تأكدها ان ما وعدها به ليست حقيقة ، و عند وصولها الى البيت وجدت ( ر ش) امام باب المنزل غاضبا ،و لما سألها اوهمته بانها قضت الليلة عند صديقة لها بعد ان شعرت بالضيق والاختناق وسط الجدران لشدة الحرارة المرتفعة، و الحقيقة انها قضت الليلة في شاطئ العيون ( البلايا) عند ذلك البحري المعتوه الباحث عن ضحية تأتيه دون معاناة بحث ، و قد سبق لها ان حكت له كل تفاصيل قصتها سابقا ، و معاناتها مع المسمى (ر ش)، وقد طلب هذا البحري منها الزواج و القبول بالجنين و تسجيله باسمه، يا له من حنان ذكوري ينساب كالماء المتموج في الجداول، و صدقت كلامه ، و اعتقدت انه سيحل لها مشكلتها، و لكن المشكلة زادت في التعقيد اكثر مما كانت تتصوره.
و حاولت (س ح) تهدئة الوضع و التزام الصمت كالصخرة الصماء دون رد على اسئلة الذئب البشري الخائف من اشاعة الخبر و توريطه. وبعد تأكدها ان لا رغبة له بالزواج بها ، و انكاره ان الجنين ليس من صلبه رغم ادائها القسم بانه ابنه ، قررت مغادرة العيون دون التفكير في الرجوع اليها، و في الغد حملت حقيبتها و توجهت الى محطة الساتيام ،و رافقها (ر ش)، و سلمها ورقة نقدية قيمتها مائتي درهم ، و تركها تواجه مصيرها .وصلت (س ح) الى الرباط في الغد منهكة ، شاحبة الوجه ، ثم اتصلت بي لأجل دلها على اسرة تشغلها الى حين وضع الجنين المجهول ، المظلوم ، و مساعدتها في ايجاد حل، لان الابواب اغلقت في وجهها و لا تعرف ماذا تفعل.
الجانب الانساني كان حاضرا بقوة رغم صعوبة المشكل الذي يتعلق بشخصين في شخص واحد ،منحني قوة التفكير الايجابي لإيجاد حل لهذه الام العازبة، فاتصلت بمجموعة من الجمعيات داخل بعض المدن المغربية ، و اقناعها بقبول طلب (س ح ) التي لم تجد من يأويها و يطعمها في الظرفية الحالية ، لكن اغلب الجمعيات كانت مغلقة مقراتها من جراء جائحة كورونا ،و المفتوحة تشترط شروطا يصعب على (س ح) توفيرها لأنها تتطلب الانتظار الذي قد يطول، اضافة الى اجتياز مقابلة عن بعد مع المساعدة الاجتماعية و انجاز تحاليل مخبرية تتعلق بكورونا . هذه المعيقات لم تقف سدا امامي ، و لم اياس ، و بعد تفكير ، تذكرت مدينة برشيد التي توجد بها جمعية تهتم بالأطفال المتخلى عنهم و التي يمكنها تقديم يد المساعدة ، و ربحا للوقت طلبت من المعنية بالأمر اصطحابي اليها يوم الخميس 4 شتنبر 2020 و التي لم تتردد في قبول الطلب لان وضعيتها لا تسمح لها بالرفض، واستقللنا سيارة اجرة نقلتنا الى المدينة المقصودة ،ثم امتطينا سيارة اجرة صغيرة التي لم يعرف صاحبها الجمعية ، و طاف بنا كل الشوارع و الازقة،و مرة مرة يقف و يسال عنها، و في الاخير طلبت من السائق التوقف للنزول و مواجهة عملية البحث على الارجل مع استفسار كل من وجدناه في طريقنا حتى وصلنا الى مقر الجمعية دون موعد سابق سوى رد رئيسة الجمعية بالصوت عبر الواتساب بالقبول،و تم الاتصال هاتفيا بالرئيسة التي حضرت بعد مرور ثلاثين دقيقة رفقة شاب يشتغل معها .
و بعد استراحة دامت عشر دقائق بدأت عملية البحث و الكتابة في السجل عن اسباب الحمل و الزمان و المكان و الشخص الذي قام بهذا الفعل، و عن اصلها و فصلها و ظروفها ،مجموعة من الاسئلة لم تقبلها المعنية بالأمر، لأنها كانت تعتقد ان دخول الجمعية بالشيء السهل دون بحث مطول ، لقد فقدت (س ح) اعصابها ، و احمرت عيناها ، و غاب التركيز كليا، و بدأت تجيب غاضبة، و لولا تدخلي و محاولتي تهدئتها ، و حثها على الاجابة عن الاسئلة ، لتم رفضها و اغلاق ملفها . و مازالت اسئلة الشاب و الرئيسة تنهال عليها حتى دخل زوج الرئيسة الذي قدمته بصفته زوجها. و من الصدف الجميلة التي حصلت في هذا اليوم هو ان الزوجة و زوجها من اصدقائي القدامى . و بعد عملية البحث التي دامت طويلا تم قبولها بشروط وهي كالتالي :عدم الخروج ، او التحدث في الهاتف ، و ان تشتغل كمربية ، و تقوم باي عمل و كأنها في منزلها الى ان تضع ابنها الذي ستتخلى عنه لفائدة الجمعية . كما اخبرتنا رئيسة الجمعية قائلة: “لا نستقبل إلا الفتاة التي جاءت بكامل إرادتها إلى الجمعية بحثا عمن يأويها ويصغي إليها بصرف النظر عن دينها، عرقها وشهر حملها. نعمل على مصالحتها مع ذويها ان ارادت ونحاول وضع “زوجها” أمام مسؤولياته، لعلهما يقترنان”. وتتابع: “تشكل الجمعية سقفا دافئا للأمهات العازبات ولا سيما المنبوذات من المجتمع، فتعمل على تأهيل الأم وإعادة ترميم ثقتها بنفسها، وفي مرحلة لاحقة تساعدها على اكتشاف مهاراتها وتعزيز مواهبها، من خلال المشاغل وحلقات النقاش التي نوفرها، أي تمكينها مهنيا وتحصينها للاندماج في المجتمع”.
…………..تتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *