التغيير الذي نريد…

12 ديسمبر 2019 - 11:01 م

بقلم : كمال لعفر

قال أحد الفلاسفة في إحدى مقالاته الشهيرة ” لو كنا نحن من نقرر متى نبكي ومتى نضحك لكانت الحياة على أحسن مايرام..”وكتب أخر : «الغباء الإنساني يكمن في الخوفِ من التغيير »، انتقد فيه البشر على فشله في محاولة الأخذ بالمبادرات عوض لعب دور المتفرج..في حين ذهب إيمانويل كانط إلى أن كل كائن عاقل هو كائن يتمتع بحرية الإرادة والقدرة على القيام بالفعل الأخلاقي، ولا معنى للفعل الأخلاقي في غياب الحرية والإرادة.

مناسبة هذه التعابير والمقولات الشهيرة، أن التحول الذي نطمح إليه للخروج من التخلف التنموي الذي تتخبط فيه البلاد، يُنتظر من الفئة الشابة والنخبة المثقفة، وهذا ما يستفاد من واقعة حدثت الأشهر الماضية، خلال عملية الانتخابات الرئاسية بتونس وبعض الحركات الطلابية التي تقع في البلدان العربية اليوم،لأن بلادنا اليوم تحتاج لمشاركة قوية في بناء نموذج تنموي جديد،وهذا النموذج يأتي في منعطف تاريخي وسياق سياسي يمكن أن نصفه بقصيدة للشاعر عبدالرحمن العشماوي التي قال فيها: “دعنا نمت حتى ننال شهادة…فالموت فـي درب الهدى ميلاد”.

والجدير بالذكر أن معظم القوى الشابة اليوم تشاهد وتتابع المسيرة السياسية دون الانخراط فيها حيث تصل نسبته في المشاركة السياسية الى 1%،وهذا إشكال كبير يكشف عن خلل داخل المنظومة المعقدة بصفة عامة،إذ معظم الخطابات الملكية جاءت فيها عدة توجيهات للفاعل السياسي من أجل تأطير والتكوين واشراك الشباب مع تشجيعهم على ضرورة تسلم مشعل القيادة،غير أن هناك عدة مؤشرات تجعل الشاب المغربي يعطي للفعل السياسي والفكرة السياسية بظهره ويدير وراءه كل ما هو مرتهن بالحقل السياسي المغربي.

عامل أخر من بين العوامل يتمثل في وجود مشجعون على العزوف السياسي منذ الفطرة،بداية بالأسر التي يعيش معها الشاب إلى الاعلامي والمثقف والعديد من الأطر،كلهم يبخسون العمل السياسي وكلهم يمررون صورة مغلوطة للشاب المغربي،تتمثل في أن الفعل السياسي المغربي مذموم وكل من يلج عالمه فهو غير منزه ويُنعت بأبشع النعوت القدحية،فلا أحد من ثم يفهم توجه بلادنا ولا مصلحتها أين تتجلى؟ ولا أجيال صاعدة قد تكون مشرفة،بل تجد غالبيتها العظمى تربت عن فكرة السياسة وسيلة مسمومة وكل من يوجد بدائرة نفوذها هدفه مصالح ذاتية ضيقة بعيدا كل البعد عن المصلحة العامة للوطن.

وهم نفس الشباب ونفس الفئات بصفة عامة تجدهم في كل احتفاء بالفوز يرقصون ويغنون وفرحتهم كبيرة، ويصلون الى منتهى السعادة،فيما المشاركة السياسية والفاعل السياسي بالنسبة لهم مجرم أكل أموال الناس بالباطل ويدافع عن مصالح لوبيات وما إلى ذلك من أوصاف وهذا توجه دفع إليه الكثير من النخب المثقفة والفئات التي تعطي للأمور أشياء لا يجب أن تُعطى، فيما المشاركة السياسية لو تمت المشاركة بشكل قوي ومكثف عن طريق توعية وتعبئة للتقييد في اللوائح الانتخابية كان للغول المتحكم مصيره الزوال لا محال.

إلا أن هناك مياه كثيرة جرت تحت الجسر،وربما تيار العدمية والتبخيس إستفاد من الوضع ولا يزال يستفيد بفضل القطيعة والعزوف السياسي الذي يمارسه الشباب بناء على مغالطات تقشت من داخل البيت الأسري مرورا بالمحيط الخارجي ووصولا إلى دائرة المحيط السياسي الذي يجده الشباب لعبة سوداء ملغومة تنبني على منطق الصراع ويفكر في الانسحاب وترك المكانة فارغة أو كما يقول المثل الشعبي “ترك الجمل بما حمل” وهذا في حد ذاته ليس في مصلحة كلا الطرفين.

هناك عدة أشخاص فرادى وجماعات يشكون حتى اليوم من الوضع الاجتماعي بما في ذلك ضعف التنمية وغياب مستشفيات وجامعة عمومية قادرة على تكوين الشباب وربط مستقبله بالتخرج نحو سوق الشغل،بل من خلال هذه الشكاوى تفهم منهم يمارسون الرقابة على ممثلهم السياسي إلا أن خلال عملية الاقتراع وفرصة التمثيل السياسي تجدهم بمنأى عن ذلك ويقفون عاجزين بدون مبالاة،في حين الاخريين يأتون بمصوتهم وهذا ما يجعلهم يقررون في مصير الملايين وفي مستقبل بلدنا الغالي، دون وضع حد لكبح جماحهم وهي أمور تضر بالمجتمع وتضعف حظوظه نحو التنمية وهذا ما يجعل الفرد مستقبلا بوعي وفكر قوي لخوض مشاركة سياسية قوية وهادفة ومكثفة للوصول إلى التغيير الذي نريد…

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *