أشنقوا فقراء الوطن عاليا…

1 فبراير 2018 - 6:26 م

بوشعيب العمراني

طابور طويل..بقايا آدميون..بوجوه شاحبة..ونظرات زائغة..وأكتاف معوجة..مثقلة بهم السنين..إمرأة خلف الشباك تنادي بصوت مبحوح  بين الفينة والأخرى عن أسماء الوجوه الشاحبة التي تنتظر في الطابور..الرقاب تتمايل من الإجهاد والتعب..والتساؤل والحيرة يعلو محيا الجميع..إقتربت بحذر..سألت عن مكان الورقة الأخيرة كي أضع ورقتي وأنتظر في آخر الطابور..أشارت لي إمرأة بحواجب مقطبة قائلة..(دوز لهيه)..حاولت الإبتسام..وتسللت وسط الزحام مجانبا خشية الإصطدام مع أحدهم..إستوقفني رجل مسن وسط الزحام بجلبابه الرث متسائلا عن آخر أجل لأداء فاتورة الكهرباء..فأجبته بسرعة..(هوما اللي عارفين)..أي الجالسات وراء الشباك..فهمهم بكلمات متحشرجة..(راني خفتهم ليقطعوا ليا الضو)..ابتسمت بمرارة وربتت على كتفيه وقلت له بهدوء (الله يصاوب الواليد..غير خلص را ميقطعوش ليك الضو)

وضعت ورقتي جنب آخر ورقة..واستندت على الحافة الرخامية لأستريح قليلا..الأصوات الصاخبة والهامسة المتداخلة في أذناي أحدثت ضجيجا في رأسي المثقل أصلا بمرض الزكام الذي عانيت منه طيلة هذه الأيام..مما جعلني لا أنجح في إخفاء الغضب الذي يتملكني في هذه اللحظات..رغم الإبتسامة المريرة التي حاولت رسمها على شفتاي.. والتي لم تنجح هي الأخرى في إخفاء ملامحي المتجهمة..الأصوات المتداخلة في أذناي أصبحت تتضح قليلا..لأتبين نبرة الغضب والشكوى في الكثير منها..إستوقفتني هذه العبارة عن الغوص في حيثيات هذا الغضب..(راهم قطعوا لينا الضو..الله يقطع ليهم الروح..)..في حين صاحت أخرى..(أويلي جاتني 12 الف ريال أنا عندي الماكن..)..رد عليها آخر متهكما..(ورا عاكيقدرو ويسيفطوا)..فيما استطردت امرأة أخرى باستنكار..(توما شفتوا هادة اللي نتاحر على ود داو ليه المكانة ديال الضو..حس بالحكرة..مسكين…)نظرت جهة الرجل المسن الذي كان يحاسب صاحبة الشباك..كانت يده اليمنى ترتجف وهي تمسك ببعض الدراهم فيما كانت يده اليسرى تمسك بالورقة وحوالي 500 مائة درهم..سألته مرة أخرى بفضول..(شحال جاتك الواليد…؟؟؟)..فأجابني مترددا (جاتني 10 ألاف و 60 ريال فهاد الشهر)..سألته مرة أخرى..(ديما كيجيك هاد الحساب…؟؟؟)..أجابني بألم..(الشهر الرخيص كتجيني 6000 ريال..عندي جوج بولات وتلفزة..عييت منشكي..شي فليسات جامعهم را كلاهم ليا عا الضو..هاد الناس راهم قهرونا..الله ياخذ فيهم الحق…)..إستوقف حديثي معه عاملة الشباك بصوتها المبحوح..(أرى الورقة أبا الحاج..)..

وأنا في طريقي لكشك الأداء هذا كنت حانقا..غاضبا..لأن إدارة الكهرباء انتزعت مني عداد منزلي وتركتني بلا كهرباء..رغم أن المبلغ لم يتجاوز 400 درهم..ولكنني أدركت بعد هذا الكم الكبير من من الشكوى والألم الذي سمعته من كل هؤلاء.. أن مشكلتي لا شيء أمام مشاكل هذا الطابور الطويل الذي اكتفى بالشكوى والأنين فقط..وأن معاناتي الشهرية مع مصاريف الحياة ليست سوى نقطة صغيرة في بحر معاناة الكثير من فقراء الوطن..الآن أدرك أننا سنعيش في صراع مع الفقر حتى الموت..الفقر الذي يجعلك تفعل أي شيء..حتى ولو كان على حساب مبادئك وكرامتك.رغم أنني أرفع شعار..(ما نمد إيدي نسعى..ما نحني راسي قدام شبعان)…

ارحموا فقراء الوطن..أو أشنقوهم عاليا..الدين لله..والوطن للجميع…

تصبحون على وطن…

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *