سكّاتة البارصا والريال.

23 سبتمبر 2017 - 2:40 م

بقلم منير باهي

لم يعد سرّا أن كثيرا من الأسر الفقيرة باتت تعاني من تعلق أطفالها بالريال والبارصا، حيث أن التجار الجشعين استغلوا هذا الجنون الطفولي، فأغرقوا السوق بمنتوجات مختلفة تحمل علامة هذين الفريقين الإسبانيين بما فيها الموجهة إلى الرضع من المصاصة إلى السكاتة؛ منتوجات يعجز الأطفال دائما عن مقاومة إغرائها، ويعجز الآباء الفقراء أحيانا عن شرائها. حتى إن عددا من الآباء توقفوا عن اصطحاب صغارهم معهم إلى الحانوت خوفا من الإحراج. فما إن يدخل الأب هاز ولدو الصغير في يدو، وهاز معاه درهم باغي يشري غير أسبرو ضارّو راسو، حتى يصرخ الصبي أمام الناس: “بابا تْسيبْس تْسيبس ديال البالسا”! ولأن ثمن التشيبس ديال البارصا هو درهم، فإن الأب المسكين يضطر تفاديا للحرج إلى الاستغناء عن أسبرو من أجل إرضاء ابنه، وإلا… غادي البعلوك يجمع عليه الجوقة في الزنقة. فأينما توجه الآباء صحبة أطفالهم، تصدمهم علامات الريال والبارصا ووجوه أشهر لاعبيها على كل شيء تقريبا؛ على المصاصات والسكاتات والحلويات والكرات والساعات والدفاتر والأقمصة والقبعات والأحذية والدراجات والدمى واللُّعب. طوفان بصري هائل من الأزرق والأحمر أو الأبيض والأسود يثير جنون الصغار مما يجعلهم يصطدمون بآبائهم العاجزين عن تلبية طلباتهم، وقد يكون هذا الاصطدام بداية لتصدع العلاقة بين الأب وابنه مبكرا قبل أن تنقطع نهائيا عند المراهقة، لأن حب الريال والبارصا ـ للأسف العميق ـ صار أقوى من حب الوالدين. ليس الصغار وحدهم، حتى الكبار. فمن المعروف في الأحياء الفقيرة أن المراهقين والشباب الذين يعشقون الريال والبارصا عاجزون عن اقتناء المنتوجات الأصلية للأديداس والنايك، لذا يكتفون بالمنتوجات المقلدة ذات الجودة الرديئة لأنها في المتناول. ولأن الذين بإمكانهم أن يقتنوا المنتوجات الأصلية في هذه الأحياء نادرون، فويل للذي خرج منهم في يوم من الأيام وسط الدرب وهو يرتدي قميصا أو سيرفيطا أو حذاء أصليا. كل الأنظار ستتوجه إليه اندهاشا، وكل الأصابع ستشير إليه فضولا: “أواااه، كيف دار ليها؟” فتجد من لا يعرفونه يهمسون: “هادا غادي يكون غير شي بزناس، ما فيهاش”. لكن الذين يعرفونه جيدا، ويستبعدون جدا أن يكون تاجر مخدرات فيهمسون: “هادا ولّى كيكريسي، ما فيهاش”. فإذا التقى مراهقان يرتدي كلاهما بذلة أصلية وليست مقلدة، فلن يكون النقاش حول من الأفضل: الريال أم البارصا؟ بل يبدأ جدالهما في الشارع بالسؤال عن شكون فيهم اللي ضارب السيري اللخرة ديال السيرفيطات؟ وينتهي هذا الجدال في الكوميسارية بالسؤال عن شكون فيهم اللول اللي ضارب لاخر بالموس؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *