عدو صالح هو أفضل مرشد في حياتنا

25 ديسمبر 2021 - 10:10 ص

حكيم سعودي

أسوأ عدو هو أفضل مرشد لأنه لا يعلمنا فقط كيف نواجه الخصوم، ولكنه يعلمنا أيضا أن نستفيد من وجودهم في حياتنا لكي نتحسن ونتعلم المزيد عن أنفسنا. فهو يرشدنا الى الوجهة الصحيحة ويعلمنا أن نحول الصراع الى فرص، والخصوم المزعجين الى مرشدين قيمين. فلكل منا مرشد داخل نفسه وكل ما علينا فعله هو فقط الاصغاء اليه، و الخوف المفرط على النفس هو أسوأ عدو لنا كذلك. أن يكون لك عدو صالح ، خير من أن يكون لك صديق فاسد . لأن العدو الصالح يحجزه إيمانه أن يؤذيك أو ينالك بما تكره والصديق الفاسد لا يبالي ما نال منك.

اذا من هو العدو؟

     العدو هو شخص يمارس أمورا تجلب لنا المشكلات ويسعى إلى مقاصد ضد مصالحنا. ومن خلال هذا المفهوم الواسع نجد أن الكثيرين أعداء لنا، الجار الذي يرفع صوت التلفاز هو عدو لنا، وأفراد العائلة الذين يطرحون علينا أسئلتهم المحرجة هم أعداء أيضا، وزملاء العمل الذين ينافسوننا هم أعداء، وكذلك الموت والمرض، كل هؤلاء أعداء يؤذوننا بأشكال مختلفة..

ولا شك أن هذه الفكرة مخيفة ومرعبة، أن تشعر أنك محاط بالأعداء من كل جانب، ولكن إذا ما تعاملت بذكاء وغيرت نظرتك إلى من حولك ستجد أنهم في ذات الوقت الذي يؤذونك فيه يمنحوك الفرصة ليتسع إدراكك وتتضح أولوياتك وتصبح أكثر سعادة.

أولا: الكيان: كل فرد منا يتكون من أربعة كيانات:

الكيان المادي: يتضمن كل ما يدعم سلامتنا الجسدية.

الكيان الوجداني: يتضمن المشاعر والعلاقات الشخصية.

الكيان الإبداعي: يتضمن وجهات نظرنا الفريدة وحرية التعبير عنها.

الكيان الفكري: مرتبط بالعقل والمعلومات والأفكار، وهو فلسفتنا الخاصة بالصواب والخطأ في الحياة.

ثانيا: مصادر التهديد: حين يتلقى أحد الكيانات السابقة هجوما من شخص ما نبدأ في الشعور بالتهديد، ونبدأ في اعتبار الذي قام بهذا الهجوم عدوا، وعليه فإننا نواجه أعداء أربعة:

الخصوم الماديون: الأعداء الماديون هم الذين يتسببون لنا بتهديد جسدي،سواء كان تهديدا مباشرا كالآلام مثلا، أو غير مباشر كاللص الذي يقتحم بيتك ..

الخصوم الوجدانيون: حين يتعلق الأمر بجرح مشاعرنا، أو التسبب في آلام عاطفية ونفسية عن طريق تهديد الأشياء المحببة لنا كالأسرة والوطن والعلاقات أو الأشخاص الذين يهموننا كالإخوة والأصدقاء، فإننا بصدد خصوم وجدانيين، وهؤلاء الخصوم يمثلهم أي شخص يهددنا بالفقد ومن ثم الشعور بالأسى والحزن حتى لو كان أحد أفراد العائلة.

الخصوم الإبداعيون: هؤلاء هم الخصوم الذين يقاومون رغبتك ويهددون إرادتك على أن تصبح شخصا فريدا حرا، وقد يكون تهديدهم هذا عن طريق فرض أسلوب معين مثلا أو قيود صارمة كما يفعل بعض الآباء مع الأبناء.

الخصوم الفكريون: ويمثل هؤلاء كل شخص يشكل تهديدا لمعتقداتنا ونظرتنا للعالم، تهديدا لهويتنا الشخصية، كل إنسان يثير الشك فينا حول فهمنا ونظرتنا للعالم أو لذاتنا.

ثالثا: مواجهة التهديد: كيف تواجه عقولنا التهديدات؟ وكيف تكون الاستجابة؟

حين نواجه خطرا ما فإن عقولنا تتجه تلقائيا إلى التفكير في النجاة، وفي سبيل النجاة نتناسى كل شيء وكل إنسان آخر حولنا، حتى لو اضطررنا في سبيل النجاة إلى ارتكاب جريمة لحماية أنفسنا.

الأمر يشبه تماما الشخص الذي يواجه الغرق في منتصف البحر، حين تحاول مساعدته ستجده يشدك لأسفل حتى يصعد هو لأعلى وينجو، ولأجل هذا يُطلب من منقذي السواحل أن يساعدوا الغريق من ظهره حتى لا يؤذيهم.

عندما نشعر بالتهديد فإن ثمة طريقين لنفكر في أمر هذا التهديد:

طريق قصير: يتحكم في النظام الحركي الذي يسعى إلى التصرف سريعا دون تفكير في حماية النفس أثناء محاولة النجاة.

طريق طويل: يتم في هذا الطريق تقييم الموضوع وفهمه بشكل أفضل.

وبالطبع فالطريقة الأولى تساهم في حمايتنا بشكل أسرع من التهديدات، ولكن التهديدات كثيرا ما تكون أقل بكثير من ردود الأفعال الهستيرية التي نتخذها، لذا من الأفضل أم ندرب أنفسنا على الطريقة الثانية حتى نستطيع تقييم التهديد بشكل أفضل وبالتالي نتعامل معه بشكل أفضل.

رابعا: انحناءة البداية: كل فنون القتال الشرقية يكون لها انحناءة بداية تهيء المشاركين للقتال، وكل صراع تخوضه وتصيبك معه مشاعر خوف وقلق من التعرض للخطر تحتاج معه إلى انحناءة بداية، انحناءة معنوية تمنعك من اتخاذ رد فعل سريع ومتهور..

وكما أن هذه الانحناءة في الرياضة تدل على احترامك للصراع الذي أنت بصدده وأنك تحترم فكرة وجود الخصوم، وتشير ببساطة لمبدأ أنك محتاج إلى القتال حتى تتدرب وتطور من مهاراتك بدلا من حالة الركود التي تكون مع عدم القتال ..

فهي كذلك في الصراعات المعنوية تجهزك للتفكير في معنى أعمق للمشكلة، وأيضا تشعرك أنك محتاج إلى هذا الصراع حتى تنضج أكثر وأكثر. هذه الانحناءة المعنوية عند البداية تعني اعترافا ضمنيا منك أنك لست كاملا وأن عندك قبول لعملية التعليم التي أنت على وشك خوضها بالرغم من ثمنها الباهظ نوعا ما.

خامسا: عملية التعلم: كل عملية صراع تضمن أربع مراحل:

مرحلة الإزعاج: وتكون عند بداية اكتشاف المشكلة ومحاولة التفاهم معها بطريقتك العادية.

مرحلة الفوضى: وتكون عند بداية مواجهة المشكلة ومحاولة المقاومة، وهي أصعب مرحلة.

مرحلة الإبداع: وفيها تظهر لك الإمكانات الجديدة التي أضافتها لك المشكلة.

مرحلة الاستقرار: وهي الشخصية الجديدة التي تتشكل بعد انتهاء المشكلة وبداية تطبيق ما تعلمته في حياتك العملية..

وأغلب الناس يتوقفون عند مرحلة الفوضى لأنها مرحلة صعبة، ولكن إذا تمكن الإنسان من تخطيها سيصل إلى مرحلة الإبداع والاستقرار، وسيبدأ في تقديم الحلول المبتكرة التي تقلل حجم الأزمة وتزيد الوعي والهدوء والسلام.

سادسا: سيناريو بسيط: تخيل أنه طُلب منك إقناع مجموعة من مديري الشركات بتمويل مشروع ما، وأثناء قيامك بهذا هاجمك أحدهم بشكل شخصي، وبالرغم من أنك حاولت التماسك لإكمال العرض إلا أن الارتباك قد سيط عليك ولم تستطع الإكمال بشكل مناسب، ولا تزال كلما تذكرت هذا الموقف تشعر بالضيق وتلعن هذا الشخص البغيض الذي أذاك.

في هذه الحالة أنت أسير في مرحلة الفوضى وأسير للكراهية لا تستطيع تجاوزها لبقية مراحل التجربة التعليمية.

سابعا: تعطيل الافتراضات: مرحلة الفوضى مرحلة مظلمة ومربكة لذا نحاول الهرب منها بحلول سريعة ومريحة ونلجأ للافتراضات، والافتراضات طريقة مختصرة للوصول للقرارات وهي أدوات ضرورية للنجاة، ولكنها قد تقودنا لأحكام مسبقة وتمنعنا من جمع المعلومات الهامة التي تساعدنا في تكوين وجهة نظر صحيحة ..

ولن تستطيع إكمال العملية التعليمية إلا بتعطيل الافتراضات، تظاهر بأنك عالم براقب تجربة مهمة، وكما هو حال العلماء فإنهم أبعد الناس عن التسرع والقفز نحو استنتاجات سابقة لأوانها.

في كل تجربة حاول أن تلاحظ نفسك وابدأ في طرح الأسئلة: متى فقدت زخمك؟ ماذا حدث؟ بم تشعر؟ لماذا أصابك الخوف؟ ومن أي شيء أصابك الخوف؟

مثلا في السيناريو السابق، لماذا توترت؟ لماذا شعرت بالهجوم من هذا الشخص؟ هل أحسست بالهجوم على هويتي؟ ما هي الأفكار التي تسببت في ارتباكي؟ هل شعرت بعد الأهمية؟ ولماذا يجب أن أشعر أني مهم؟ إذا واصلت طرح هذه الأسئلة على نفسك دون أحكام مسبقة ستجد أن خصمك قد ساعدك على فهم المشكلة ولفت نظرك إلى طريقة الحل. مثلا في هذا المثال ستجد أن الخصم علمك درسا حول مسؤولية المشاعر، وأنك أنت وحدك مسؤول عن مشاعرك، وأنك يجب أن تكون الشخص الوحيد القادر على إيصال الشعور الذي تريده لنفسك، وبالتالي يكون بيديك اتخاذ القرار المناسب، دون أن يجبرك شخص آخر على الانفعال واتخاذ رد فعل عنيف كما حدث مع صديقنا في السيناريو السابق.

ثامنا: الخوف من الخسارة: إذا كانت مواجهة النفس وتعطيل الافتراضات أمر بهذه السهولة، لماذا لا يقوم به الناس؟

الحقيقة أننا نقيد أنفسنا ونكره تعطيل افتراضاتنا لأننا نكره الموت بكل أشكاله ونخاف منه، وكل صراع يتضمن نوعا من أنواع الخسارة، وكل خسارة هي شكل من أشكال الموت، إما موت مادي او موت وجداني أو إبداعي أو فكري.

وعلى الرغم من خوفنا الفطري من الخسارة إلا أننا يجب أن نضحي ونتوقف عن الخوف ونتقبل احتمالية الخسارة، وهذا هو السر أن يكون عندك استعداد لموت ما أنت عليه وخسارته، حتى تسمح بميلاد جديد لنفسك، فإذا كنت شخصا جبانا فأنت تحتاج إلى موت هذه الفكرة حتى تولد فكرة جديدة وهي أن تكون شجاعا، وهكذا.

تاسعا: نهاية الصراع: في نهاية الصراع وكما يحدث في الألعاب القتالية أنت تحتاج لانحناءة الختام كتحية تعبر بها عن الامتنان والوعي، لأنك حين تنهي الصراع تكون في أعلى مستويات سلامك النفسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *