العلاقات العاطفية للأطفال الصغار و اليافعين في الوسط المدرسي

3 مايو 2022 - 11:19 ص

حكيم السعودي

 يرجع تنامي ظاهرة العلاقات العاطفية بين المراهقين داخل المؤسسات التعليمية و المعاهد الى التأثير القوي لوسائل الاعلام البصرية على الشباب المراهق وتعدد المضامين الاعلامية التي تتضمن مشاهد جنسية تدفع هذه الفئة من الشباب الى محاولة اكتشاف هذا العالم قبل الاوان فتعدد علاقاتهم العاطفية تتجاوز. ويصعب علينا اليوم تقبل مدى التأثير السلبي للتكنولوجيا على كافة فئات المجتمع، إذا ما لبثنا نعد وسائلها التي تفتح بيوتنا على العالم وحيثياته، حتى وجدنا الصغير كالكبير، قد جرفه تيار التقليد الأعمى، وهو ما بات يتجلى في مدارسنا من سوء تربية وانقياد وراء ما تعرضه شاشات التلفزيون ومواقع الأنترنت، حيث انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة خطيرة، ذات أبعاد ونتائج فتاكة بالمجتمع، وهي انتشار العلاقات العاطفية بين الجنسين من تلاميذ المدارس ، و العنف بجميع اشكاله ضد الاساتذة و الادارة و بين التلاميذ. 

ظهور الهوائيات قبل سنوات من الآن، وما انجر عنه من آفات اجتماعية كالطلاق، كان قد أثار الكثير من المخاوف عن المنعرج الذي سيسلكه المجتمع المغربي بعدها، ثم تلت هذه المخاوف تحذيرات شديدة من قبل الأخصائيين الاجتماعيين من امكانية الوقوع في شراك الخيال الذي تروج له المسلسلات والأفلام، وانعكاسها على تربية الأجيال القادمة، وهو ما حدث بالفعل، خاصة بعد ظهور وسائل جديدة كالأنترنت، والتي قربت الخطر من أطفالنا أكثر فأكثر، إذ بات بإمكان الطفل صاحب الست سنوات أن يتابع رفقة والدته مسلسلا تركيا جل لقطاته رومنسية، ثم ما إن يفرغ من ذلك حتى تجده، قد شغل ألعاب الفيديو التي تحتوى في الكثير من الأحيان على مقاطع مخلة، أو قابعا أمام القنوات الأجنبية المتعددة، تعرض له مسلسلات الرسوم المتحركة، التي لم تسلم هي الأخرى من طيش المشاهد الرومنسية، والتي سريعا ما تترسخ في ذهن الطفل الشبيه بالورقة البيضاء، فتجده شديد التأثر بالقصص الغرامية التي يتلقاها على صغره، فيحاول بطبيعته التي تستدعي تجريب كل ما يمر عليه، بأن يكون علاقة عاطفية باختيار طرف من الجنس الآخر، ولا أحسن مجال لذلك كالوسط التربوي، وهو ما يفسر انتشار هذه الظاهرة في المدارس، حتى الابتدائية منها، أما تتمة المهمة، فالهاتف المحمول ومواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت متاحة لدى الصغار دون رقابة، كفيلة بتوسيع الخطر وتسهيل انتشاره.

 لا شك أن التربية السليمة تنعكس في السلوكيات السوية لأبنائنا، والعكس بالعكس، فلا أحد في جميع الأحوال مسؤول على ما يبديه الأبناء غير أوليائهم، فالتلميذ في الابتدائي وفي جميع مراحله بمثابة مغناطيس كما يصوره الأخصائيون في علم النفس ، مستعد لاستقطاب كل ما يمر من حوله، وعلى الأولياء انتقاء هذه الأخيرة، بمراقبته عن المضامين الإعلامية والترفيهية السيئة وتوجيهه، وإعطائه منذ صغره الثقافة الجنسية المناسبة لسنه والتي يرغب الأولياء في أن ينشأ عليها.

و حسب المصدر، فمن الغريب جدا أن الأم الشابة تكتشف أنها تؤيد بعضا من العلاقات العاطفية التي يقيمها التلاميذ في المدارس، بحجة أنها مبنية على (النية) وأساسها الزمالة، ولا يمكن تفسيرها بغير ذلك، لأن النقص سيكون فينا نحن. و يؤكد قوله، ثم لتأتي صديقة لها وهي أم لبنات في الصف الثالث او الخامس او السادس الابتدائي، تقول: “كثيرا ما تخبرني بناتي عن تقرب زملائهم في المدرسة منهن بسبب جمالهن وتفوقهن في الدراسة، فلا أعطي الأمر اي أهمية، لأن الزمن الذي نعيش فيه اليوم غير الماضي، وهناك انفتاح على طبيعة العلاقات”.

ويحذر الأخصائيون النفسيون من تنامي الظاهرة بسبب السكوت والتجاهل أو التشجيع، وإنما من الضروري أن ينبه كل ولي أبناءه ويحسن تربيتهم، وفي حال غفلته علينا أن نبلغ على هذه العلاقات المدمرة لإدارة المدرسة التي تتولى مسؤوليتها، فاللقاءات القائمة على الزمالة أو تلك التي تقام بدافع العاطفة المبهمة والفطرية، قد تتعدى حدود المعقول إلى ممارسات غير شرعية تهوي بالمجتمع.

 و يضيف استاذ “قبل أيام بلغني أن بعضا من تلاميذي الذكور يتحدثون عن حب فلانة وفلانة ،فقمت بإخراجهم من القسم ،وبدت عليهم علامات الخوف ،وكانوا أربعة ووضعت يداي على أكتاف اثنان منهم وشكلنا دائرة كأننا سنتفق على خطة ما ،وقلت لهم أبنائي الحب ليس حراما ولا عيبا ،وإنما ما زلتم صغارا عليه ،ولما ترى فتاة وتعجب بها في المستقبل إن شاء الله وتحبها تأخذ أمك وتخطبها و تتزوجها وتعيشان معا حياة هنيئة ،ولا تنسوا أن تدعوني فابتسموا ،وأظن انه بالإضافة إلى ما ذُكر من أسباب هو الصحبة حيث يرافقون من هم أكبر منهم سنا ويسمعون منهم ويتأثرون بما يقولون.

تتميز فترة المراهقة باكتشافات نفسية وجسدية كبيرة، تغير نظرة الأطفال إلى أنفسهم وإلى محيطهم، كما تثبت هويتهم الجنسية والعاطفية تدريجيا، حيث يتميز سن المراهقة بعدد من الصفات العامة التي تنطبق على معظم المراهقين، أبرزها صعوبة التعامل معهم واندفاعهم نحو التجارب الجديدة، إضافة إلى ميلهم نحو التمرد، كما تكون مشاعر الحب العاطفي تجاه الجنس الآخر من بين الأشياء التي يختبرها الأطفال مع تحولهم إلى مراهقين، لكن ما هي حقيقة الحب في سن المراهقة؟ وهل من الممكن أن يستمر هذا الحب بعد المراهقة؟ 

يحدث هذا الانقلاب لدى معظم المراهقين في الحالة الطبيعية، حيث يدخلون في مرحلة جديدة من تكوينهم الجسدي والنفسي، ابتداء من سن الثانية عشرة وحتى العشرينات، لكن الفترة بين الخامسة عشرة والسابعة عشرة هي الفترة الأكثر خطورة على تكوين المفاهيم والأفكار عند المراهقين. وغالبا ما يختبر المراهقون مشاعر الحبّ والعاطفة الجياشة تجاه الجنس الآخر في هذه المرحلة، وقد يصرح المراهق بما يشعر بالقول أو الفعل، كما قد يبقي مشاعره طي الكتمان، لكن في الحالتين هو يختبرها، كما تساهم هذه التجربة في تكوين الكثير من المفاهيم العاطفية لديه، لذلك يجب أن يحرص الأهل على تخطي هذه المرحلة بسلام قدر الممكن، وبمساعدتهم وتوجيهاتهم، لكن ما هي الأسباب الحقيقية التي تجعل المراهق يقع في الحب في هذا السن؟.

يبدأ الأطفال باكتشاف الخصوصية الجنسية لأجسادهم في سن مبكرة، لكن هذا الاكتشاف يتحول إلى أفكار ومفاهيم مع بداية سن المراهقة، حيث يعرف المراهق تماما الفرق بين الذكر والأنثى من الناحية الفيزيائية، ومن المفترض أن يمتلك معلومات وافية عن عملية التكاثر وحدود العلاقات الاجتماعية ومحاذيرها، حيث تساهم هذه الاكتشافات والمعلومات في ميله الإجباري نحو أقرانه المختلفين في النوع ؛ و التغيرات التي تطرأ على نمو دماغ المراهقين تجعلهم مندفعين أكثر نحو الحب ، حيث ما تزال قدراتهم المعرفية وقدرتهم على المحاكمة الاجتماعية والمنطقية أضعف من أن يسيطروا على مشاعرهم وأفكارهم، لذلك نجد المراهقين يميلون لتجربة العديد من الأشياء في هذه السن، مثل المخدرات أو التدخين وغيرها من الأمور التي تساعدهم على اختبار حقيقة العالم من حولهم، وتفريغ الطاقات الكامنة فيهم.

يتعامل المراهقون بين 11-14 سنة مع اكتمال تكوينهم الجنسي، بوصولهم إلى سن البلوغ الجنسي في هذه الفترة، إضافة إلى اكتشاف الخصوصية الجنسية ومميزات الجسد، كما تشكِّل هذه الاكتشافات ضغطا إضافيا على المراهقين، وقد تدفعهم إلى تصرفات مجنونة أحيانا، لأن هذه الطاقة الجنسية لا بد أن تجد طريقها للتعبير عن نفسها عمليا، حيث يشكل الدافع الجنسي جزء كبيرا من رغبة المراهقين في الدخول بعلاقة عاطفية، وهذا يعني خطورة مضاعفةً على صحتهم النفسية إن لم يتمكن الأهل من إدارة هذه العلاقات، فالأطفال الكبار لم يدركوا بعد معنى المسؤولية تجاه الآخرين، وليسوا في مكان تحمل مسؤولية الحمل مثلا! أو تحمل آلام الهجر بعد انتهاء علاقة من هذا النوع. 

ستترك هذه المرحلة أثرا عميقا في نفوس أطفالنا الكبار، كذلك لن ينسى الأهل كيف تخطى أبناؤهم مرحلة المراهقة، لكن يجب أن يحاول الأهل قدر الممكن تقريب تفكير المراهقين إلى الواقع، والتعامل معهم بطريقة تتوافق مع سنهم وتتفهم اندفاعهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *