الملاكمة .. فن نبيل في حاجة إلى نبلاء

29 أبريل 2021 - 8:41 م

بقلم : بوشعيب حمراوي

عاد المنتخب المغربي للملاكمة شبان السبت الماضي من مدينة كيلسي البولندية، بعد أن بصم على مشاركة وصفت بالمهينة، في بطولة العالم للشباب، التي نظمت في الفترة من 12 و24 أبريل 2021، ليس بسبب خروجه من البطولة بخفي حنين، لأنه لا يمكن لمنتخب تم تجميعه وإعداده لمدة شهر فقط أن يعطي نتائج إيجابية أمام منتخبات تتغذى في حياتها اليومية بالفن النبيل. لديها لاعبين متشبعين بالوطنية والوفاء ومهووسين بالتتويج، ولكن بسبب أزمة الصراعات الداخلية والهامشية والمجانية التي يعاني من القفاز المغربي، والتي ألقت وتلقي بظلالها على واقع الملاكمة الوطنية، وولدت ممارسين ساخطين عن أوضاعهم ومستعدين للتخلي عن وطنهم ومسؤولياتهم، مقابل البحث عن بديل مجهول قد يكون أسوء حال من أحوالهم السابقة. 

فرار ثلاثة ملاكمين بلا هوية، تاركين جوازات سفرهم وباقي أمتعتهم داخل غرف الفندق الذي كان يأويهم. اثنين منهم لم يشاركوا في أية مباراة من المباريات التي حلوا من أجلها، لتمثيل وتشريف بلدهم، موضوع لا يمكن أن ينتهي بالغضب والتنديد والتسويق الإعلامي.

ولا يمكن أن نقدم الطاقم التقني لمنتخب الشباب كبش فداء، للتغطية عن المسؤولين الحقيقيين مدبري هذا الواقع المتعفن، الذي نلمسه في عدة رياضات فردية، غير منصفة لروادها ونجومها.      

نظرة عابرة لواقع رواد الفن النبيل، تؤكد حتمية التعجيل بالنهوض بهذه الرياضة ومثيلاتها في المغرب، فمن العيب والعار ألا يجد الإعلامي ما ينقله للرأي العام من داخل رياضة الملاكمة، سوى الصراعات القائمة بين بعض المدربين وبينهم وبين مسؤولين في الجامعة الوصية أو غيرها.. ومن العيب والعار أن يتلقى الأبطال المتوجين بالمغرب في مختلف أوزان الملاكمة فتات المال عند التتويج. ولا مبالاة من كل الجهات المعنية بالشباب وقطاع الرياضة، من العيب والعار أن نكتشف أن الجامعة الوصية صرفت لهؤلاء الأبطال التسعة الذين كانوا يمثلوننا دوليا تعويضا شهريا قيمته 3000 درهم لكل واحد. ويرى هؤلاء الأبطال ما يجنيه زملاءهم داخل دول أخرى. وأنه داخل بلدهم قد لا يجدون من يهتم حتى بمتطلباتهم في التدريب والتغذية خارج إطار المنافسات الدولية.

من العيب والعار أن تنظم التظاهرات والمنافسات الوطنية الكبرى داخل المدن، وتصرف الأموال الباهضة هنا وهناك. وتكتفي الجامعة وسلالاتها بمنح المتوجين الأبطال مبالغ مالية هزيلة، و أحزمة و ميداليات و كؤوس (قصديرية صفراء)، يصعب حتى الاحتفاظ بها كأرشيف وذكرى داخل منازلهم التي تكتسيها الرطوبة وتتسرب من أسقفها مياه الأمطار. 

 إن هذا الواقع المخجل لاشك سيدفع الممارسين إلى اليأس والإحباط، والاختيار بين التخلي عن رياضتهم النبيلة، أو البحث عن أحضان جديدة أجنبية دون اعتبار للوطن الذي يرون أن هو من أدار عنهم ظهره.

   لنعد إلى الأبطال (الأطفال) الثلاثة الذين فضلوا (الحريك) على التنافس لصالح بلدهم. هؤلاء الذين ليسوا سوى تلاميذ بالتعليم الثانوي التأهيلي. لا يمكن اتهامهم بالخيانة. هؤلاء إن قاموا بشغب ما داخل الثانويات، فإنهم يحالون على المجالس التأديبية لتلك المؤسسات من أجل إيجاد طرق لإصلاحهم. ولا يحالون على محاكم المملكة. فهم مجرد قاصرين في السن والعقل والتكوين وحتى الوطنية. الأكيد أنهم لا يدركون هول الجرم الذي أقدموا عليه. والأكيد أنهم سيندمون أشد الندم حين يدركون ذلك، وحتى ولو ساقتهم الحياة البديلة إلى التألق ونيل ما كانوا يشتهون. لم يتركوا فقط وطنهم، ولكنهم هجروا أسرهم وتركوا آبائهم وأمهاتهم عرضة لانتقادات واسفسارات وتشكيك في وطنيتهم. 

فرار هؤلاء القاصرين لا يمكن أن يكون سببا في تلطيخ سمعة الطاقم التقني للمنتخب الذي قبل على مضض مسؤولية آخر لحظة. من أجل تمثيل الوطن. أسماء لابد أن تتاح لها فرص حقيقية وليس ترقيعية لإبراز كفاءاتها. فالمدرب عبد الحق عشيق الحائز على أول ميدالية برونزية أولمبية سيول 1988 والمدرب نبيل منيام البطل العالمي السابق والمدرب الذي فتح قلبه وحلبته للمشردين والملاكمين والملاكمات من ذوي الاحتياجات الخاصة، وصنع منهم عدة نجوم.و المدير التقني للمنتخبات الوطنية منير البربوشي الذي بالمناسبة لازال يقضي مدة الحجر الصحي ببلوندا بعد إصابته بفيروس كوفيد 19. 

يجب أن يعي المشرفون على الرياضة عموما ورياضة الملاكمة على الخصوص أن منتوجهم لا يشرف البلد لا رياضيا ولا أخلاقيا. وأن الاهتمام بالممارسين يجب أن يتم عبر تمكينهم بمكاسب وحقوق تضاهي مكاسب وحقوق باقي الممارسين في معظم دول العالم. وألا يغفلوا أن الرياضة تفرض الأخلاق والسلوك الحسن. وتفرض وقف صرف الأموال بعيدا عن الممارسين والمؤطرين. وتقتضي أن يدرك المسؤولون أنه ليس من حقهم المتاجرة والاستثمار لصالحهم في قطاع الرياضة. وأنهم فقط مشرفون على تجارة واستثمار يكون الرابح فيه الممارس والبلد .. واقع الحال يفرض التأكيد على أن ( الفن النبيل يلزمه أشخاص نبلاء) ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *