“مسائيات “بقلم تورية لغريب

30 يناير 2023 - 10:46 م

“مسائيات” بقلم الكاتبة تورية لغريب

يوم عادي جدا

وأنا ألج عيادة الطبيبة، تفاجأتُ بأعداد المنتظرين لدورهم، قلت في قرارة نفسي ” مرغمة مرة أخرى على الانتظار…هذا أسوأ ما أفعل في يوم بارد كهذا ” ، كانت الساعة تشير إلى الثالثة بعد الزوال، وهو التوقيت الأنسب لأخذ قيلولة أعوّض بها ساعات نومي المتقطّع، لكنّني مضطرّة لأن أتنازل عنها اليوم.
قاعة الانتظار، باحة شاسعة ،أثاثها بسيط مكوّن من عدّة كراسي هادئة الألوان، وطاولة فارغة من المجلات و الجرائد، التي عادة ما نجدها في العيادات الطبية، وهو الأمر الذي لفت انتباهي… لا شك أنّ الأمور تغيّرت كثيرا بعد وباء كورونا…باستثناء التخلي عن مطهّر الأيادي الفارغ تماما عند مدخل الباب…
اتّخذتُ ركنا قصيا في الغرفة، رفعت عيني فإذا بالمكان مزود بكاميرات مراقبة ( لا يمكنني الجزم بأنها تعمل )..
معظم الوافدين نساء وفتيات من مختلف الأعمار، اللهم ثلاث رجال فضّلوا الوقوف أمام باب العيادة ( ربما يتحاشون الاختلاط بالنساء) ، الساعة تشير إلى الثالثة والنصف، البعض بدأ يتأفف من الانتظار، وفتاة الاستقبال تبدو هادئة وهي تطمئن الجميع بقرب حضور الطبيبة المختصة، فجأة ظهرت امرأة ستينية أنيقة المظهر، برفقة رجل يبدو أنه تخطى عتبة السبعين منذ سنين قليلة، كان يتشبت بذراعها كأنها أمه، وهي توبخه بسبب تأخره عن الموعد…
لم تَسلم المرأة من نظرات النساء المحجبات، وهن ينظرن إليها بامتعاض، لذلك فضّلتِ الانزواءَ في ركن داخلي لم أتعيّنهُ مِن قبل …لا بد أنها زبونة هنا…وما إن ولجا الرّكن حتى سمعتُ الرّجل الذي علت نبرة صوته فجأة وهو يتوسّل إليها لكي تهدأ :” الله يخليك أغزالي لما سكتي باركا عليك ، راه الطونسيو غادي يطلع عاود ونوليو في مشكل…”
غرستُ ناظري في شاشة الهاتف، وسط همهمات النسوة اللائي تصيّدن الفرصة لتفجير البوح بطبيعة العلاقة مع أزواجهن، قالت واحدة إن زوجها لا يهمّه وضعُها الصحي، رغم أنها تعاني من ارتفاع الضغط، ثم مالبثت أخرى في سرد تفاصيل حياتها الصّعبة مع زوجها، وسرعان ما انخرط رجل في الحديث وهو يلبس عباءة الواعظ… وكأنّ الكل يلفظ ركام أنينه الخافت، كأنه يتعرى في غفلة من الزمن… يتحرر من المعيش اليومي المطبق على الأنفاس…
وجدتُني أقرأ قصة قصيرة لخورخي لويس بورخيس “وسم السيف”…أنهيت القراءة تحت وقع ضجيج خافت، ثم دخلتُ في إغفاءة تراءت لي خلالها أحداث القصة، ولم أستفق إلا على سماع اسمي للدخول إلى الطبيبة، التي نسيت سبب زيارتها اليوم…
إلا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *