مناضلون من ورق

6 ديسمبر 2021 - 8:02 م

يونس غازي

استلقى فوق سريره، وهو يتمتم، كفاني نضالا اليوم، وموعدنا غزوة الغد، غزوة ستدور رحاها في رحاب الفايسبوك ، أو في ساحات الانستغرام.

استيقظ صباحا أو لنقل استيقظ مساء، ليجد أمه قد أعدت له من الطعام ما يسد به رمقه، فالمرأة على كبر سنها تعمل خادمة بيوت، في كثير من الأحيان جسدها لا يتحمل عناء العمل، ولكن كان لزاما عليها التعب والعناء من أجل أن تعيل بطلنا الهمام ، الثائر الفارس الضرغام.

أما هو فما ان ملأ بطنه، حتى توجه نحو المقهى، طلب من النادل كلمة السر للويفي، فقد كان صاحب المقهى يغيره باستمرار ضدا في كل فاشل عاجز كسول، استل أصبعه من غمد جيبه، ولبس درع حساب مجهول لينزل ساحة وغى الفايسبوك، فهناك معارك ضارية تنتظره، وبسرعة غريبة وخفة عجيبة بدأ يصوب سهام حروفه، ورماح كلماته ويضرب بسيف عباراته كل الأعداء الافتراضيين، ومع كل نثرة سيجارة ونقرة إعجاب، كان ينتشي وكأنه يفتتح القلاع ويدك الحصون.

وبينما هو يعيش بطولاته الورقية الافتراضية، ومعاركه الدونكشوتية، كان بجنبه شاب أنيق وسيم، عصامي التكوين، كان يحبه أغلب سكان الحي، وليس كلهم فهناك في هذه الحياة من يكرهك مجانا، كان خدوما خلوقا، يحب خدمة الناس وإسعادهم، لربما لكثرة اجتهاداته قد يخطئ ويصيب، يكون له في عمله إيجابيات ونقائص ، ولكنه ما فتئ يعمل كل ما في استطاعته ليساعد محيطه ومجتمعه.

نظر إلى بطلنا، ورق لحاله وهو يرى طاقة تهدر في لعن الظلام بدل أن تشعل شمعة، بل إن لاعني الظلام في كثير من الأحيان يكونون من كبار الخفافيش، نظر إليه وتنهد بعمق، وهمس لبنات أفكاره يحدثها حزينا مهموما مغموما ، لعمري إن ثائري الهواتف، مناضلي الحواسيب، كالذي يعيب على الناس مذاكرتهم لصحيح البخاري، بحجة أن الناس صنعت طائرات وصواريخ وأكثر، فلا هم ذاكروا معهم حرصا على آخرتهم ولا هم صنعوا معهم الطائرات حرصا على دنياهم لعمري إن فيهم فئة من الجبناء، يتسترون خلف أسماء مستعارة، يتحدثون عن الشجاعة، متملقون يتحدثون عن الكرامة، أنذال يتكلمون عن القيم، فاسدون يتحدثون عن النزاهة، متكبرون يتكلمون عن التواضع، فاشلون في كل شيئ، يرغبون أن يسوسوا أمور الناس . وأكمل يخاطب ذاته، إنهم وقحون يظنون أنهم جريئون ، مجانين يظنون أنهم عاقلون، كاذبون منافقون يظنون أنهم صادقون.

لعمري ما رأيت يوما جيفارا ولا عمر المختار ولا غاندي ولا نيلسون مانديلا، يخوضون نضالاتهم خلف الشاشات والهواتف والحواسيب، لعمري إن حتى أعتى القتلة المجانين كانوا يدافعون عن نظرياتهم بوجه مكشوف، فما تخفى هتلر يوما ، ولا احرق نيرون روما باسم مستعار، ولا قتل فرانكو وموسوليني الملايين وهم يضعون أسماء مزيفة.

لم يحس إلا ودمعة تنسكب ساخنة من وجنتين متعبتين، حزنا على جيل ذبحته الشعبوية ذبحا، على جيل أثخنت جسده السهام المسمومة للمواقع الاجتماعية، على جيل لو أنه قام يبني هذا الوطن لكنا اليوم بأفضل حال . قام من مكانه وهو ينظر لبطلنا الافتراضي ولسان قلبه يقول ، لعل القادم خير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *