AisPanel

*{{التطبيع: من زاوية شرعية}}*

30 ديسمبر 2020 - 10:50 ص

رضوان رزقي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فكما هو معلوم أقدمت المملكة المغربية في الأيام القليلة الماضية بقرار سيادي يقتضي عقد صلح مع دولة اليهود تحت مسمى التطبيع حيث رأت أن ذلك من مصلحة شعبها وأراضيها على المدى القريب والبعيد؛ فكان ذلك قرارا حكيما تسبب في الاعتراف الدولي بسيادة مملكتنا المغربية على صحرائها التي ما فتئ الانفصاليون والحاقدون الافتعال بشأنها، كما يبدو أن لذلك رؤية استراتيجية في استتباب الأمن داخل وخارج أرض الوطن؛ إلا أن البعض لم يعجبه هذا القرار كالعادة؛ واتخذ من العاطفة الدينية سببا لرفض القرار السيادي للمملكة والطعن فيه بأنه تأييد للاحتلال، أو بأنه إبادة حضارية، أو بأنه تخل عن القضية الفلسطينية إلى غير ذلك من التخرصات الواهية والمغرضة؛ وفيما يلي هذه مجموعة من الأدلة الشرعية التي تبين مشروعية الصلح *-أو ما يصطلح عليه اليوم بالتطبيع-* مع اليهود أو النصارى على حد سواء وأن ذلك لا يلزم منه التنازل عن المقدسات والأراضي والحقوق، بل ذلك يقتضي الأمن بين الطرفين، وكف بعضهم عن إيذاء البعض الآخر، وغير ذلك؛ كالبيع والشراء، وتبادل السفراء.. وغير ذلك من المعاملات التي أباحها الإسلام وشرعها في التعامل معهم؛

 

  فهذا  النبي ﷺ قد صالح أهل مكة، حتى يسر الله فتح مكة عام الفتح, ودخل الناس في دين الله أفواجا، وصالح يهود المدينة لما قدم المدينة مهاجرا صلحا مطلقا، وكان عليه الصلاة والسلام يعاملهم في الشراء منهم والتحدث إليهم، ودعوتهم إلى الله، وترغيبهم في الإسلام، ومات ﷺ ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام اشتراه لأهله، ولما حصل من بني النضير من اليهود الخيانة أجلاهم من المدينة عليه الصلاة والسلام، ولما نقضت قريظة العهد ومالؤوا كفار مكة يوم الأحزاب على حرب النبي ﷺ قاتلهم النبي ﷺ فقتل مقاتلتهم، وسبى ذريتهم ونساءهم، بعدما حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه فيهم, فحكم بذلك، وأخبر النبي ﷺ أن حكمه قد وافق حكم الله من فوق سبع سماوات.

   وهكذا المسلمون من الصحابة ومن بعدهم، وقعت الهدنة بينهم -في أوقات كثيرة- وبين النصارى وغيرهم.

 

   ومما يدل على مشروعية الصلح مع اليهود وغيرهم إذا دعت إليه المصلحة أو الضرورة إذا رآها ولي أمر المسلمين: أنه ﷺ لما فتح خيبر صالح اليهود فيها على أن يقوموا على النخيل والزروع التي للمسلمين بالنصف لهم والنصف الثاني للمسلمين، ولم يزالوا في خيبر على هذا العقد، ولم يحدد مدة معينة، بل قال ﷺ: نقركم على ذلك ما شئنا وفي لفظ: نقركم ما أقركم الله فلم يزالوا بها حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه، وروي عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه أنه لما خرص عليهم الثمرة في بعض السنين قالوا: إنك قد جرت في الخرص، فقال رضي الله عنه: والله إنه لا يحملني بغضي لكم ومحبتي للمسلمين أن أجور عليكم، فإن شئتم أخذتم بالخرص الذي خرصته عليكم، وإن شئتم أخذناه بذلك.

 

   وهذا كله يبين أن الصلح والمهادنة مع اليهود أمر مشروع ولا يلزم منه التنازل أو التفريط في الواجبات الدينية أو الدنيوية كما لا يقتضي تغيير المناهج التعليمية، أو تمليك اليهود لما تحت أيديهم من أرض فلسطين تمليكا أبديا، وإنما يقتضي ذلك تمليكهم تمليكا مؤقتا حتى تنتهي الهدنة المؤقتة أو يقوى المسلمون على إبعادهم عن ديار المسلمين بالقوة في الهدنة المطلقة. وقد صرح عامة المفسرين في تفسير قوله تعالى في سورة الأنفال:  [وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا] الآية [الأنفال:61]، بما يدل على هذا المعنى في شأن الصلح أو التطبيع. والحمد لله أولا وآخرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *