سيطرة الشعوذة والخرافة على مصير الانسان المقهور

31 أغسطس 2020 - 5:39 م

حكيم سعودي

ليس في استطاعة أي انسان أن يتحمل القهر أو يتقبله مهما طال الزمن او قصر، لذلك نجده يتوسل الأوهام ليجمل بها الوجود، بغية الوصول للتوازن الوجودي الذي يعتقد انه يفقده. ويصاحب انتشار السيطرة الخرافية و الشعوذة تفشي الجهل، وضرب الفكر النقدي والتحليل العلمي للظواهر بعرض الحائط. كما تتحول ممارسات السحر والشعوذة إلى تجارة رائجة مربحة، تنتشر بين الطبقات البسيطة التقليدية، لتسلبهم ما يملكونه على أمل تخليصهم مما هم فيه و ما يعانونه من معاناة لاحد لها. وتشجع الطبقة المتسلطة هذه الممارسات الخرافية، و تسخر لها كل الامكانيات لتوسيع رقعة انتشارها ،مساهمة في تلاعب بعقول الفئات المقهورة نفسيا و اجتماعيا، لأنها تحفظ لهم مكانته و تجعلهم يحكمون قبضتهم على المستضعفين، وتتخذ عملية ممارسة القهر شكلا دائريا، فالرئيس يقهر المواطنين الذين بدورهم يضطهد بعضهم بعضا من الأقوى إلى الأضعف، ولكي تستمر علاقة القمع بين المقهور والمتسلط تحتاج على الدوام إلى ما يغذي نرجسية المتسلط وذلك حتى تختفي احتمالية أي فرصة للتكافؤ بينه وبين من يقهره ومن هنا يزيد العنف والقهر. هذه الاعمال الغير الشرعية تؤصل السيطرة الخرافية على المصير ، لتبلغ درجة الإيمان السكوني، و ما اصعب ان يترسخ ايمان الشخص بالخرافة و يجعلها حقيقة ثابتة، ينحدر معها الإنسان من التفكير العقلاني إلى التفكير الخرافي ، فيخلط الحقائق بالرغبات، ويعيش رغباته كواقع، ويعتقد بقوتها، فيقع في فخ التفكير الجبروتي.

يضع الإنسان المسلوب و المغلوب على امره أمله في الصور الخيرة ورموزها الخرافية (الأولياء الصالحون) ويسقطها في عقله الباطني على الصورة المثالية للام الحنون و الاب حامي الاسرة و المدافع عنها، كما يسقط كل الشر، إلى جانب مخاوفه وعجزه واحباطه على أعداء خرافيين ورموز ماورائية ( جن وعفاريت ) وإلى الحسد وما يخفيه من نوايا عدوانية للعين الحاسدة، لشدة شعور الانسان المقهور بعجزه فإنه بحاجة لولي صالح لحمايته نظرا لإحساسه بالوحدة في مجابهة مصيره المجهول.

كما يلجأ إلى حيلة التماهي مع المتسلط، فالإنسان المقهور هنا ينكر وضعه الصعب ويذوب في عالم السلطة المستبدة ويتماهى مع أحكامها ويسقط عجزه على الحلقات الأضعف منه ويحاول جاهدا تبني قيم السلطة فيقع ضحية عقدة الاستعراض ويتحول إلى شخص مقهور هارب دائما من ذاته، أو قد يندفع اندفاعا إلى الخرافة في محاولة بائسة منه للسيطرة على حياته، فيلجأ إلى مقامات الأولياء ويلتزم بالطقوس الدينية المتعلقة بالنذور وقراءة المستقبل.

و قد يتم اللجوء الى الأساليب الدفاعية كاستعمال العنف بكل أشكاله، المقنع والرمزي والعلاقات الاضطهادية وأحيانا تخريب الممتلكات العامة بسبب إحساس المقهور بأنه لا ينتمي إلى هذه الدولة التي يحكمها المتسلط.

تنتشر أضرحة الأولياء في كل أرجاء المجتمع المتخلف وتكون نواة للتجمعات السكانية، فتصبح بمثابة الملاذ لهذه الفئات المغلوبة، لتتبرك بها “والبركة تعني بالضرورة الشعور بالعجز، والشعور بأهمية البركة يعني التقليل من دور الإنسان في الخلق والإبداع والتغلب والتفوق”

كائنات خفية غير مرئية لعبت دورا بارزا في تعليل الفئات المجتمع للأحداث التي تستعصي على الفهم، كما تستخدم كتبرير لما يود الإنسان التستر عليه من فضيحة او تقصير، بزعم الوقوع تحت تأثير الجن و غضبة و السيطرة عليه. وتشيع حالات هلوسة ذهنية من رؤية الجان وهي ليست سوى إسقاط لمكنونات اللاوعي أو لمخاوف تعتمل في لاوعي المرء يخشى بروزها، و يتم تفسيرها بشكل بدائي نظرا لصعوبة توضيحها بشكل نفساني علمي.

وهي تنفي المسؤولية عن الأسرة والجماعة، فما أسهل القول أن فلان ممسوس او يسكنه عفريت، كوسيلة للتستر على مسؤولية الجماعة التي ينتمي اليها. وعدم تهديد النظام السائد الذي يخدم امتيازاتها، أما الشيطان فهو افصح مثال على إسقاط المساوئ الذاتية وأوجه القصور الشخصية والتنصل من المسؤولية، يعزى إليه كل ما لا يرضي الإنسان والمجتمع، حتى صار مشجبا تعلق عليه التبريرات والمعاذير. والدارس لعلم النفس سيلاحظ التشابه الواضح بينه وبين اللاوعي الإنساني بما فيه من نزوات عدوانية أو جنسية وهي لا أخلاقية في الحالتين.

كما أن لابن خلدون رأيا آخر في كون ضرب المتعلم وقهره يفسد معاني الإنسانية لديه، وذلك أن “من كان مرباه بالعنف والقهر من المتعلمين… سطا به القهر، وضيق على النفس في انبساطها، ودعاه إلى الكسل، وحمله على الكذب والخبث خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة، ولذلك صارت له عادة وخليقة، وفسدت معاني الإنسانية لديه”. فالمتعلم أو الرعية اللذان سطا بهما القهر، أي أذلهما، يلجآن إلى الكذب والخديعة مما يفسد النفوس، ويفقدها معنى الإنسانية، ولعل هذا ما أورده حجازي في كون القهر يسلب الإنسان إنسانيته واعتباره الذاتي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *