واااا عتقونا…هذي راها كورونا…!!!!

6 مارس 2020 - 11:39 م

حفيظ حليوات

الساعة السادسة صباحا، صباح مدينة بنسليمان ليس كباقي صباحات المدن الكبرى، أظن انني فوتت أول حافلة ستقلني الى مدينة الدار البيضاء، و ما علي إلا انتظار الحافلة الآتية من الرماني، استنشقت هواءا باردا بكل ما يحمل من كآبة، وتوجهت صوب مقهى مدارة سينما المنزه، التي كان لابد لصاحبها من الافلاس كما أفلس كل شباب هذه المدينة الحالمين بالكرامة و العيش الكريم، ما أوجعني في تلك اللحظات و أنا اجلس في ركن ذلك المقهى الصغير، منظر شاب كان في الماضي القريب من أبرز نجوم المنتخب المغربي لكرة القدم، تيتشمكر و هو يلاعب كلابا ضالة وجد فيها الونيس بعدما هجره جميع أقرانه، حركت قهوتي السوداء، وأشعلت سيجارة الصباح، نفثت دخانها ولمحت من بعيد مجموعة من النسوة و هن على أهبة الاستعداد لركوب شاحنة متهالكة ستقلهم الى إحدى “الفيرمات” بضواحي المدينة، هناك حيث ينتظرهن يوم طويل من الكد و التعب و العمل الشاق، فسلام لكن و كل ثامن مارس و أنتن بخير، قاطعني صوت ” الكورتي” و هو ينادي “الدار البيضاء الدار البيضاء”، فقمت على عجل، حاملا الملف الطبي لوالدتي ومتوجها نحو المجهول، نحو مستشفى مولاي يوسف بالدار البيضاء، لأخد موعد مع اختصاصية الأمراض الصدرية، بعدما لم اجد في مستشفانا الاقليمي أثرا لهذا الاختصاص.
بعد امتلاء الحافلة عن آخرها من شتى أصناف المجتمع، تحركت الحافلة اخيرا، تأملت الجالس بجانبي فإذا به “با العمراني”، ذاك الرجل الطيب، فسألته باستغراب…

– وا با العمراني..انت فين غدي…؟؟؟

فأجابني بهدوء..خبز لوليدات.. وأنت فين غادي…؟؟؟

فأجبته بمرارة الشباب..غادي نشد رونديفو لواليدة…

ربت على كتفيي و قال لي بحنان..الله يرضي عليك أوليدي..جري مع ميمتك

غفوت قليلا، ولما افقت وجدتني بجوار محطة اولاد زيان، ذاك الغول المختلط فيه الحابل بالنابل، ترجلت من الحافلة و أشرت بيدي الى سيارة صغيرة…

– خويا صبيطار مولاي يوسف…؟؟
– 30 درهم اخويا…
– بزاف…الطوبيس غير ب 5 دراهم…
– واقيلة مفخبارش أشنو واقع…سير ركب فالطوبيس….
– صافي ما يكون غير خاطرك…
في الطريق الى الصبيطار استغربت لمنظر شوارع الدار البيضاء الخاوية الحزينة، فسألت صاحب الطاكسي.. 
– أش واقع الشريف..الدار البيضاء مالها خاوية…؟؟؟
نظر الي بافتحاص..وأجابني بتهكم : أنت مالك ما عايش فهاذ لبلاد..راها وصلات 5000 حالة، وخا هوما مابغينش يقولو، والناس راها خايفة و سادة عليها فديورها…
– علاش اش واقع…؟؟؟
– أجابنب بسخرية : مواقع والو..نزل راك وصلتي لصبيطار….
طوابير المرضى تملأ المكان، و العسكر يطوق المستشفى، توجهة نحو مكتب الارشاد و الاستقبال، وجدته خاليا بينما أسراب من الممرضين و الأطباء بكماماتهم يتحركون في فوضى وعلى عجل، فعدت لأتساءل في نفسي : أش واقع…فهمس لي حارس الأمن الخاص : “واش أنت مريض..الحرارة ديالك نورمال ولا طالعة…؟؟؟
أجبته بسرعة : لا مشي أنا لمريض..راه مي لمريضة..فيها الضيقة..وجيت ناخذ ليها رونديفو…
دفعني بقوة..وصاح بأعلى صوته : سير فحالك..بقيتي لينا غير انت…
عدت ادراجي وألف سؤال و سؤال يخامرني..أين الناس..؟؟! أين الناس..؟؟! ماذا يقع بالدار البيضاء…؟؟؟…وتوجهت صوب محطة أولاد زيان لاستقل نفس الحافلة التي اتيت فيها، لاجد نفسي و كأن موعدي ليس مع الطبيبة بل موعدي مع با العمراني الذي سألته نفس السؤال
– أش واقع…؟؟؟
فاسترسل قائلا : حنا في بنسليمان ما عارفين والو، غير تناكلو و نشربو..لقد سمعت يا بني و أنا بمارشي سنترال، أن مرضا انتشر بالعالم واسمه “كورونا”..وقد أصاب من أصاب، وشل الحركة و أوقف جميع التظاهرات الرياضية والثقافية والفنية….إلا المواسم، فالحكومة تحرص على رفع مزاجنا العكر…لا تخف يا بني فلقد مر على هذا الشعب المطحون عشرات الفيروسات و لم تأخذ منه شيئا، الوحيد الذي قهر الشعب المغربي هو الفقر..قل لي..هل أخذت موعدا لوالدتك…؟؟؟أومئت برأسي نافيا وسكت…
معالم مدينتي الهادئة تترأى لي من بعيد..قوافل العسكر تتجاوزتنا بسرعة كبيرة، وتوقفنا فجأة، ليتم إنزالنا من الحافلة، واقتيادنا نحو حافلة أخرى..سمعت من أحد العساكر انها معقمة ضد فيروس كورونا، كما أن مدينتي الصغيرة كلها تحت تدابير الحجر الصحي بعدما ضرب الوباء كل البلاد…فصرت أصيح بلا وعي…”لا ميمكنش…لا ميمكنش…لا ميمكنش”
أحسست بيد  تربت على كتفي بحنان..فتحت عيناي..فإذا ب با العمراني يبتسم ويقول : تا ركدتي تا بديتي تهتهت…نوض أولدي راه وصلنا لمحطة أولاد زيان..ترجلت من الحافلة وأنا مذهول..و أشرت بيدي الى سيارة أجرة صغيرة، لكي تقلني الى مستشفى مولاي يوسف لأخذ موعد لوالدتي..توقفت سيارة الأجرة..فتحت الباب فإذا بعيناي تلتقيان بنفس السائق الذي زاورني في غفوتي قبل قليل…..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *