هذيان رجل اعمى….

5 فبراير 2020 - 8:53 م

حليوات حفيظ

من وراء نظارات سوداء سميكة، يتطلع الى الافق و يومئ برأسه يمينا و شمالا، لعله يلتقط صوت أذان المغرب، أو صوت رابحة التي ينتظرها كل مساء و هي مارة بخطواتها المتثاقلة نحو فرن الدوار.

لم تعترض خالتي يامنة التي تراقبه هي ايضا من بعيد على مشيئة القدر، فبوشعيب جاء بعد طول انتظار، جاء بعدما تمسحت بكل القبور المحيطة بقبة مولاي بوشعيب الرداد، فبوشعيب هو الاستثناء بالدوار، هو الاعمى البصير، هو الذي قال “لا” يوم قال الجميع “نعم”، هو الذي رفض الاخضر و الازرق وجميع الوان الطيف، وهو الذي لا يعرف الا السواد مرجعا و ملاذا، نعم لقد قال بوشعيب في مرات عديدة لقائد الدوار “لا”، لا لأموال المبادرة الوطنية، لا للمغرب الاخضر، ولا للريع المقنن في سجلات و دفاتر الحكومة، كما أظن انه الوحيد الذي قال “لا” لدستور 2011.

بوشعيب كان يمتلك براعة الرؤية في النور و الظلام، و يحفظ عن ظهر قلب أزقة الدوار وأسرار ساكنيه، كان يتجول في ظلمة الليل الحالك، و تحت امطار السماء، يسمع همسات الزوج و زوجه، و مايدور بين القائد و الشيخ، ورئيس الدوار و منتخبيه، كان يعرف البرنامج الحكومي، و ما قد يتلفظ به “العثماني”، و ما يدور بين زيان و بنكيران، بوشعيب تنبأ بصفقة القرن قبل ان ينطق بها ترامب، اما الغريب فبوشعيب يعرف نتيجة انتخابات 2021 قبل اوانها.

لهذا السبب اجتمعت نساء الدوار لحظة انجاب بوشعيب، و بدل ان يقمن بتدبير حفل خبزة النافسة، اجتمعن من اجل قتله، والسبب ان عرافة الدوار تنبأت بالشؤم الذي سيجلبه للدوار و ساكنته، الا رابحة فهي الوحيدة التي وقفت سدا منيعا امام رغباتهن رغم سنها الصغير، فرابحة عشقته منذ أول نظرة، رغم تعنت و كره ابيها فقيه الدوار لبوشعيب.
اذكر جيدا و بالضبط في شتاء 2015 و بينما الحكومة المغربية منهمكة في ترتيب مراسيم صلاة الاستسقاء، اشتدت الحمى على بوشعيب، فكان لا بد لخالتي يامنة من ربط الاتصال بخالي محمد المرابط بالصحراء المغربية منذ حوالي 15 سنة رفقة فصيل لم يتأكد ولائهم الخالص للدولة المغربية، قصد اعلامه ان بوشعيب يحتضر وفي أيامه الأخيرة.
لحظتها يبدأ هذيان رجل اعمى ومن جملة ما قاله بوشعيب على لسان رابحة التي لم تفارقه ولو للحظة، ان حربا ضروسا ستقوم بين الجزائر و المغرب، و بأن اخنوش سينشر محطات افريقيا بجميع الدوائر الانتخابية بالوطن، كما استرسلت رابحة و هي تذرف دموعها على الآلاف من شباب المغرب الذين سيفضلون ركوب قوارب الموت على تقييدهم بسلسلة 2% من قروض البنوك، وذرفت مزيدا من الدموع على مرضى السرطان الذين ضاقت بهم المستشفيات القليلة بالوطن.
حكت أمي يامنة ايضا، وهي تودع بوشعيب ان المغرب سيعرف انتفاضة الاعمى ضد البصير، وان شموع اسياد البلاد ستنطفئ و سيزج بالكثير منهم في غياهب السجون، و بأن احرار و شهداء ثورة “الكوميرا” سيبعثون من جديد، و سيجددون ثورتهم المنسية، وستعبق شوارع كراج علال و درب السلطان برائحة المسك، بذل روائح الدماء العفنة.

في هذه اللحظة، يصل خالي محمد بزيه العسكري المغبر، و بوجهه الشاحب، يرتمي بين احضان ابنه الوحيد بوشعيب، فيتمتم بوشعيب بكلماته الأخيرة “لا تأخد بما جاء على لسان النساء فهذا هذيان رجل اعمى….و ليس على الاعمى حرج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *